الحب القديم لا يصدأ.. بقلم: د. أيمن سمير

الحب القديم لا يصدأ.. بقلم: د. أيمن سمير

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٩ يوليو ٢٠٢٢

العلاقة بين أفريقيا وروسيا ينطبق عليها المثل العالمي الشهير الذي يقول «الحب القديم لا يصدأ»، وجولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 4 دول أفريقية هي مصر والكونغو وأوغندا وأثيوبيا في هذا التوقيت من الاستقطاب العالمي بين روسيا من جانب والغرب من جانب آخر، تؤكد أن العلاقات التاريخية التي جمعت بين الاتحاد السوفييتي السابق ودول القارة لا تزال تشكل «رافعة قوية» في بناء العلاقة بين موسكو والدول الأفريقية التي تدفع ثمناً باهظاً للحرب الروسية الأوكرانية، وهناك تخوف أن تعاني دول القارة من القلاقل السياسية والاجتماعية والتي قد تصل إلى زيادة وتيرة الانقلابات العسكرية بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والحبوب الذي تشكل روسيا المصدر الأول بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية، فما هي أبعاد جولة رئيس الدبلوماسية الروسية في أفريقيا؟ وهل ستنقل الحرب الروسية الأوكرانية الصراع بين موسكو والغرب إلى الساحة الأفريقية؟
رغم العلاقات الوثيقة التي جمعت الاتحاد السوفييتي السابق بدول القارة الأفريقية خصوصاً مصر وأثيوبيا ونيجيريا والكاميرون وجنوب أفريقيا إلا أن انهيار الاتحاد السوفييتي في فجر 25 ديسمبر 1991 أدى لتراجع العلاقات بين روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي والقارة الأفريقية، وبدأ الدفء يعود للعلاقات بين أفريقيا وروسيا عندما تولى الرئيس فلاديمير بوتين الحكم نهاية عام 1999، لكن جاء مارس من عام 2014، عندما سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم ليفتح صفحة جديدة في العلاقات الروسية الأفريقية، فنتيجة للعقوبات الغربية على روسيا سعت موسكو لاستعادة الزخم والقوة في علاقاتها مع القارة السمراء من جديد عبر سلسلة من الأدوات أطلقت عليها روسيا «القوة الذكية» التي تجمع بين «القوة الناعمة» و«القوة الصلبة»، رداً على تركيز الغرب في علاقاته بأفريقيا على ملفات الأمن والهجرة غير الشرعية، ونجحت موسكو في ذلك عبر تقديم الدعم الأمني والتقني والعسكري لعدد من الدول الأفريقية مثل الاتفاقية الأمنية مع دولة أفريقيا الوسطى عام 2018، ومذكرة التفاهم العسكرية مع نيجيريا عام 2021، والدعم العسكري واللوجستي لحكومة مالي، كما أن روسيا تقدم نفسها على الدولة التي تتعاون وفق مصفوفة من القيم التي تختلف عن القيم الغربية، فروسيا لا تضع أي نوع من «المشروطية السياسية» في علاقاتها مع الدول الأفريقية، كما أنها لا تتدخل في السياسيات الداخلية لدول القارة، وهو ما جعل روسيا أكثر «مقبولية» في عيون الأفارقة.
ونتيجة لهذه السياسة الجديدة قام 12 زعيماً أفريقياً بزيارة روسيا في الفترة من عام 2014 وحتى 2019، كما شارك 43 زعيماً ورئيس دولة أفريقية في القمة الروسية الأفريقية الأولى في سوتشي عام 2019، وهي القمة التي شهدت توقيع اتفاقيات بـ13 مليار دولار سوف ترفع معدل التجارة بين الطرفين إلى 40 مليار دولار عام 2024 والتي وصلت إلى 20 مليار دولار في 2019، كما أن ثقة الجيوش الأفريقية في التعاون الأمني مع روسيا دفعت 30 دولة أفريقية لإرسال بعثات عسكرية لتلقي التدريب في مدارس وأكاديميات وزارة الدفاع الروسية، لكن أكبر المكاسب التي حققتها روسيا هو رفض دول القارة للعقوبات الغربية على روسيا منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وهو مكسب سياسي كبير لأن أفريقيا من أكبر «الكتل التصويتية» في الجمعية العامة للأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية، وهو ما يؤكد أن فكرة «عزل روسيا» أو «إخضاعها» كما يقول الغرب فكرة غير واقعية. المؤكد أن جولة لافروف الأفريقية تهدف للإعداد للقمة الأفريقية الروسية الثانية، لكن حفاوة الاستقبال في دول كان لها علاقات قديمة وخاصة مع الاتحاد السوفييتي السابق تؤكد أن «الحب القديم لا يصدأ».