حكمة الأمثال.. بقلم: د. حسن مدن

حكمة الأمثال.. بقلم: د. حسن مدن

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ يوليو ٢٠٢٢

كل الأمم وبدون استثناء لديها أمثال شعبية، تنطوي على حكم وخلاصات تجارب الحياة، وليست أمة العرب استثناء في ذلك، وهو ما سنأتي عليه، ومن باب الشغف بحثتُ عن أمثال شعبية في الثقافات الأخرى، مترجمة إلى العربية، فوجدت ضالتي في أحد المواقع ، فلاحظت أنها متفاوتة في قوة البناء، وربما تحكمت الترجمة في ذلك، فلو كنّا نعرف اللغات الأصلية التي قيلت بها، لوجدناها أقوى وأعمق مما بدت عليه مترجمة إلى العربية.
سأورد لكم بعض ما قرأت، فمثلٌ من اليابان يقول: «أجمل الغلال ما نبت في حقول الآخرين»، ومن إيطاليا مثلٌ يقول: «إذا اضطرتك الظروف لأن تشحذ فاطلب من الناس أولاً ثم من أصدقائك»، فيما يقول مثلٌ فارسي «يبيع الجلد قبل أن يصيد الغزال»، ويقول مثلٌ ألماني: «القصور العالية كثيراً ما تكون طبقاتها العليا فارغة»، ومن الدنمارك نقرأ هذا المثل: «كان الله في عون الغنم إذا كان الذئب قاضياً لها»، ومن الصين: «ليس للأكذوبة أرجل لكن للفضيلة أجنحة»، ومن التبت: «لا حاجة لمطرقة من أجل سحق دودة».
لن ندخل في دلالات تلك الأمثلة، لأننا نحسبها واضحة، ولا تحتاج إلى شرح، قبل أن نعرج على أمثالنا العربية، وسيدهشنا الباحث الكبير د. عز الدين إسماعيل، الذي تناول هذه الأمثال بصفتها أحد مكوّنات ثقافتنا، في كتابة المهم: «المكوّنات الأولى للثقافة العربية»، مشيراً إلى أن بعض الأمثال العربية تعود إلى ما قبل الإسلام، إلى الزمن الذي جرى التعارف على وصفه بالجاهلية، وطبيعي أنه لا يختص عصر دون سواه بظهور الأمثلة، وسنجد أن وراء الكثير من هذه الأمثلة حكايات، ولأن الحيز لا يتسع للكثير فسنكتفي بإيراد حكاية واحدة منها.
حُنين في المثل القائل: «رجع بخفي حنين» كان، على قول الباحث، إسكافياً بالحيرة، وساومه إعرابي على ثمن خفين فاختلفا حتى أغضبه، فلما ارتحل الإعرابي أخذ حنين الخفين، فألقى أحدهما على أحد مواضع طريق الإعرابي، وألقى الخف الثاني على موقع آخر في نفس الطريق، فلما مرّ الإعرابي بالخف الأول قال: «ما أشبهه بخف حنين ولو كانا اثنين لأخذتهما»، ثم مرّ بالآخر فندم على ترك الأول، وأناخ ناقته وانصرف ليحضر الأول، لكن حنين كان قد دبر له كميناً، فأخذ ناقة الإعرابي وهرب بها، ليعود الأول إلى أهله بدون ناقته، وليس معه غير خفي حنين، ومن يومها قيل المثل – الحكمة، الذي يّحذرنا من طموحات مبالغ فيها، تخسرنا ما نملكه.