القمح أم.. الحب؟!.. بقلم:  رشاد أبو داود

القمح أم.. الحب؟!.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

السبت، ٢٥ يونيو ٢٠٢٢

«تريدون خبزاً وماذا؟». سؤال يتردد على لسان كل رب أسرة في طريقه إلى البيت من العمل. الخبز أساسي أما «وماذا» فإنها على هامشه. ضرورية نعم، لكن إن لم تتوفر فيمكن تدبيرها من «حواضر البيت». أما سيد المائدة «الخبز» فلا غنى عنه. البعض يريده طازجاً ساخناً للتوّ خارجاً من الفرن برائحته الخارقة للشهية. وفي صباحات أيام الجمعة لا أشهى من «منقوشة الزعتر» على رغيف خبز منقع بزيت الزيتون.الأساس هو الرغيف فليس ممكناً أن تضع الزعتر والزيت على حبة بطاطا أو شريحة لحم لتحصل على تلك الرائحة الشهية والمذاق الذي يظل عالقاً بالفم حتى الجمعة المقبلة.
الخبز أولاً وليس الأخير طبعاً. لكنه إن حضر وغاب الآخرون فإنه يكفي. وإن حضر الآخرون وغاب هو فلا يكفون.
كان والدي يقيم الدنيا ولا يقعدها إن نسيت أمي أن ترسل أحدنا لشراء الخبز على افتراضها أن ما في البيت يكفي لوجبة العشاء. وفي منتصف الطريق بين الجوع والشبع تكتشف أن تقديره للأرغفة المتبقية كان خطأً فترسل أحدنا إلى الجيران سراً ليحضر بضعة أرغفة لتتجنب غضب «السلطان». والجارات أيضاً كن يفعلن ذلك عندما يتورطن بموقف مشابه. فـ«الحياة قرضة ودين»، كما كانت تقول أمي.
لم يكن ثمة هواتف ذكية ولا خدمة «ديلفيري» ولا مطاعم تعمل أربعاً وعشرين ساعة فقط في اليوم!
كان الجار للجار والكل يحب الكل. والدعاء الأهم كان «أعطنا خبزنا كفاف يومنا».
اليوم، وبسبب الحرب الروسية الأوكرانية، فثمة تحذيرات جدية من «مجاعة عالمية». فالبلدان من أهم مصادر ومصدري القمح، مادة الخبز الأساسية.
فقد قالت الناطقة باسم برنامج الأغذية العالمي، إن مخاوف من أزمة جوع قادمة على مستوى العالم، قد تكون الأخطر في التاريخ الحديث متزامنة مع اضطرابات على الصعيد الدولي، لا سيما الصراعات وتغيّر المناخ وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود لأرقام غير مسبوقة.
واستندت في تقديراتها إلى أنه «في الأيام الأخيرة، ظهرت مخاوف عالمية من نقص القمح والحبوب جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وأعلنت دول عدة إيقاف تصدير الحبوب -آخرها الهند- مع موجة حر قياسية أضرت بالمحاصيل، وهذا من شأنه أن يؤثر في ارتفاع أسعار المواد الغذائية».
من جانبها، حذرت الأمم المتحدة من أن نحو 18 مليون شخص في منطقة الساحل الأفريقي يواجهون خطر انعدام أمن غذائي حاد مع خفض الحصص الغذائية المخصصة لهم بسبب نقص التمويل.
وارتفعت أسعار القمح بنحو 60 في المئة منذ فبراير الماضي، في حين ارتفعت أسعار الزيوت النباتية بـ40 في المئة، وارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى معدلات قياسية، ثم جاءت أحداث أوكرانيا فارتفعت الأسعار مرة أخرى بـ 12 في المئة، مما يجعل الأزمة الغذائية الحالية أقوى من الأزمتين الغذائيتين في 2008 و2011، وفق الناطقة باسم برنامج الأغذية العالمي.
«الصورة مظلمة، نشهد الآن بوادر أزمة غذائية، إلا أن الوقت الأخطر لم يحن بعد وسيكون خلال 6 أشهر، وإن انتهت الحرب في أوكرانيا، فسيحتاج العالم من ستة أشهر إلى عام للتعافي واستقرار الأسعار».
العوامل الطبيعية مثل الجفاف والتصحر لا دخل للإنسان بها وهي خارج قدرته على تلافيها. لكنه قادر على عدم إشعال الحروب لتصبح حبة القمح رصاصة في معدة أخيه الإنسان بل في قلبه.
في الأرض قمح وغذاء يكفي لكن لم يعد ثمة حب... يكفي.
* كاتب أردني