أمريكا.. العنف ومرضى الفصام العقلي.. بقلم: محمد خليفة

أمريكا.. العنف ومرضى الفصام العقلي.. بقلم: محمد خليفة

تحليل وآراء

السبت، ١١ يونيو ٢٠٢٢

على الرغم من الانتصارات الإنسانية المتلاحقة في ميادين علمية واجتماعية متعددة، إلا أن المجتمع الإنساني اليوم يواجه مجموعة كبيرة من التحديات المصيرية التي لم يسبق له أن واجهها في أي وقت مضى. فالمشكلات الاجتماعية التي يواجهها عالم اليوم تضاهي ربما حجم التطورات المذهلة على المستوى العلمي والمعرفي والتقني للإنسانية.
 فما يحدث اليوم في هذا العالم لا يمسّ أمن كل دولة كبيرة كانت أو صغيرة فقط؛ بل يمس كل فرد في هذا الكون. ومن أبرز هذه المشاكل التي تواجه عالم اليوم الانتشار السريع لمرض الفصام؛ فالمرضى النفسيون والعقليون يشكلون نسبة عالية من أفراد المجتمع، ومرض الفصام العقلي يُعدّ أكثر الأمراض النفسية خطورة، على النفس وعلى الآخرين على حدٍّ سواء.
 وصحف هذه الأيام لا تخلو صفحاتها من جريمة من تلك الجرائم التي يقوم بها المرضى النفسيون، ما يؤدي إلى زيادة العمليات الإجرامية، وآخرها في الولايات المتحدة. فبعد حادث إطلاق النار المأساوي في ملهى ليلي في أورلاندو بفلوريدا، والذي أدى إلى مقتل خمسين شخصاً، أقدم شاب يبلغ من العمر 18 عاماً على قتل عشرة أشخاص بعد أن أطلق عليهم النار في أحد أحياء ولاية نيويورك، في هجوم وصفته السلطات الأمريكية بأنه «عنصري». وبعد عدة أيام فقط أقدم شاب آخر، في نفس المرحلة العمرية للشاب السابق، على قتل تسعة عشر تلميذاً ومعلمتين في مدينة أوفالدي في ولاية تكساس.
 وقد أعادت الحادثة الأخيرة إلى الأذهان ذكرى حادثتين مماثلتين، تتمثل الأولى في إطلاق النار داخل مدرسة بولاية فلوريدا الأمريكية، والذي قام به تلميذ سابق بالمدرسة، عمره 19 عاماً، وأدى إلى مقتل 17 شخصاً، وفي الثانية كان قد قتل 20 طفلاً بمدرسة في كونيتيكت، وهي المناسبة التي دفعت الرئيس الأمريكي الأسبق وقتها باراك أوباما للدعوة لإعادة النظر في حق امتلاك السلاح. وينص الدستور الأمريكي بشكل واضح وصريح على أحقية المواطنين في امتلاك الأسلحة، حسب التعديل الثاني من الدستور الأمريكي، أنه «حيث إن وجود ميليشيات حسنة التنظيم ضروري لأمن أية ولاية حرة، لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها». وأصدر الكونغرس الأمريكي قانوناً يحظر التصنيع، والاستخدام المدني للأسلحة النارية نصف الآلية، والأسلحة الهجومية لمدة 10 سنوات، وبالفعل انتهى الحظر في سبتمبر/ أيلول 2004، وفشلت محاولات تجديد الحظر، ثم رفض مجلس الشيوخ مشروع قانون يقيد السماح بحمل الأسلحة.
 لا شك أن إباحة امتلاك السلاح لأي فرد تُعدّ السبب الرئيسي لتوالي وقوع تلك الجرائم المروعة، خاصة في المجتمع الأمريكي، الذي يتكون من خليط غير متجانس من الأعراق والقوميات المختلفة؛ حيث تتصادم الثقافات والمفاهيم في نطاقات فكرية متعارضة، وينشأ من ذلك نزوع نحو التعصب والحقد، وخصوصاً لدى الإنسان الأبيض الذي يرى في نفسه المؤسس الأول لهذه الأمة. ومن هنا تتوالى الجرائم التي يوصف معظمها بأنها وقعت لدوافع عنصرية، غير أن حرية امتلاك السلاح تبقى هي المتسبّب الأول في وقوع تلك الجرائم. وقد أثبتت الأبحاث الدولية بشكل قاطع أن المستويات الأعلى من امتلاك الأسلحة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعدلات أعلى من عنف السلاح. والجانب الآخر لهذه النتيجة هو أن نسبة امتلاك الأسلحة في دول مثل فنلندا والسويد وسويسرا، قد تسبب في أن تلك الدول لديها معدلات عالية في الانتحار باستخدام الأسلحة النارية، مقارنة بدول، مثل المملكة المتحدة واليابان، تتشدد في امتلاك السلاح الفردي؛ حيث إن تلك الدول لديها أدنى معدلات القتل بالأسلحة النارية.
 وقد تفاقمت أعداد القتلى في عمليات إطلاق النار الجماعية الأخيرة في الولايات المتحدة إلى حد كبير من قبل الجناة الذين استخدموا البنادق الهجومية، مع مجالاتها الكبيرة وقدراتها النارية السريعة. وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد دافع عن حق الأمريكيين في حيازة الأسلحة، وأيّد بحماس تعهّد الرابطة الوطنية الأمريكية للسلاح بعدم تشديد قوانين الأسلحة في البلاد. لكن هل تعيد تلك الحوادث المأساوية النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة إلى التفكير في تقييد حرية امتلاك السلاح، أم أن تراث تلك الأمة المترع بتناقضات إنسانية متعددة سيحول دون تقييد حرية السلاح، وسيعطي المجال لجرائم أكثر ستحدث في المستقبل مع اتجاه الولايات المتحدة نحو ركود اقتصادي كبير في الأيام والأشهر المقبلة؟.