حوربوا فانتصروا.. بقلم: د. محمد النغيمش

حوربوا فانتصروا.. بقلم: د. محمد النغيمش

تحليل وآراء

الأربعاء، ٨ يونيو ٢٠٢٢

ما أكثر الشخصيات العامة التي فوجئت بعثرات في طريقها، لكنها وجدت طريقاً للنصر وتحقيق الذات. كانت أول رئيسة وزراء في بريطانيا مارغريت تاتشر توصف بأنها «امرأة عنيدة ومعتدة بآرائها بدرجة خطيرة» على حد وصف رئيس شركة «أي سي أي» للتوظيف التي قابلت طلب توظيف تاتشر بالرفض عام 1948، حيث كان اسمها حينها مارغريت روبرتس قبل زواجها.
وقد حوربت تاتشر في بداياتها، ونحن نتحدث عن حقبة كان الرجال هم المسيطرون على دوائر العمل في العالم الغربي والشرقي. ولم يكن للنساء آنذاك دور جوهري في ميادين العمل كما نشاهد الآن.
وربما لم يكن يتوقع البعض أو يتقبل أن يعمل مع امرأة قوية الشخصية. وهذا الانطباع عن تاتشر امتد لآخرين حتى أطلق عليها الناس «المرأة الحديدية» حيث اشتهرت بكاريزماها وقدراتها الفذة، حيث كانت مفوهة وعملت محامية وتخرجت من جامعة أوكسفورد العريقة. فكان لديها رؤية واضحة في إدارة شؤون البلاد.
وهذه الشخصية «العنيدة» هي من انتشلت اقتصاد بلادها من التخبط الاقتصادي وسياساته الأقرب إلى الاشتراكية حتى فتحت الأسواق المالية للمستثمرين الأجانب، وخصخصت أشهر شركات الدولة كالنفط والغاز والكهرباء وغيرها في قرارات جريئة في تاريخ بريطانيا.
ودخلت في صدام قوي مع النقابات العمالية حتى تدخل رجال مكافحة الشغب ضدهم واستمرت الاعتصامات والمواجهات ضد قراراتها بإغلاق المناجم لمدة عام حتى نالت المرأة الحديدية ما أرادت. وكرهها من كرهها وأحبها من أحبها. غير أنها في نهاية المطاف يحسب لها بصمتها في تقوية الاقتصاد والقرارات الجوهرية السياسية.
ولو أن هذا المرأة القوية قد انهارت معنوياتها واستسلمت لكلام الناس لما بلغت ما بلغت من تاريخ سياسي مهم، حيث وصفها أحد المحللين بأنها «أقوى رئيس وزراء في تاريخ بريطانيا في حقبة السلم». مشكلة كثير من الناس أنهم ينفرون ممن لا يوافقونهم الرأي، وينسون أن اختلاف الآراء أمر صحي، وأن كل شخصية مهما كانت مختلفة أو غريبة قد تصلح لعمل ما أو لحقبة معينة.
وقد حورب الرجال كذلك في شتى بقاع العالم، إما بكلام شفهي جارح أو بمحاربة ظاهرة. منهم رئيس شركة أبل ستيف جوبز الذي يوصف بالعنيد، وكان من الموظفين من يرهقهم أسلوبه وإصراره. فكان لا يعجبه العجب كما يقال.
لكنه برر ذلك بأنه يريد أن يصل إلى الإبداع في شتى منتجاته اللوحية والهاتفية والحاسوبية. وقد نجح في ذلك عندما صعد على خشبة المسرح عام 2007 ليعلن عن باقة الهواتف الشهيرة التي غيرت وجه هذه الصناعة. ورغم كل ذلك كان الرجل يتيماً وقد طرد من منصبه لكنه عاد إلى شركته بقوة.
وقد واجهت أيضاً الإعلامية السمراء أوبرا وينفري ضغوطات هائلة في بدايات وظيفتها منها عنصرية بغيضة تجاهها والتفريق بين راتبها وراتب زميلها «الأبيض» كما تقول في مذكراتها رغم أنه يقدم البرنامج نفسه ويقوم بالعمل ذاته الذي تؤديه أوبرا. لكنها استقالت وشقت طريقها نحو النجومية بمزيد من التعلم والتجارب والتركيز على نقاط قوتها.
وكذلك الحال مع العالم آينشتاين الذي كان معلمه يعتقد أنه مختل عقلياً، فقد تأخرت قدراته على الكتابة والقراءة لسن متأخرة أثارت قلق أهله وأقربائه. ثم اكتشف العالم أجمع أنهم أمام عالم عظيم تجلت قدراته في نظرياته وأبحاثه. كان يقول إنني أفكر أسرع مما أتكلم. وكان يجد صعوبة في تصوير عمق نظرياته للعامة أو المشككين فيها. فهو باختصار عبقري قل نظيره.
وما أكثر العباقرة، والملهمين، وأصحاب القدرات الخارقة الذين طواهم النسيان لأنهم استسلموا لمثبطات من حولهم. ولو صمدوا في وجه تلك الأوهام لتمكنوا من تحقيق نجاحات يشار إليها بالبنان.