الشيء ونقيضه: ضدّان لا يلتقيان.. بقلم: د. راكان الراوي

الشيء ونقيضه: ضدّان لا يلتقيان.. بقلم: د. راكان الراوي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٧ مايو ٢٠٢٢

ما من شيء يختفي إلا ويظهر نقيضه، مبدأ مهم قابل للتوظيف الإيجابي على جميع المستويات «المستوى الشخصي، والمؤسسي، والمجتمعي». يقوم هذا المبدأ على فكرة أساسية مفادها أن الشيء ونقيضه لا يمكن أن يجتمعا في مكانٍ وزمانٍ معينين؛ لذلك عندما يختفي شيء ما يظهر نقيضه، وعندما يختفي ذلك النقيض، يعود الشيء الذي كان موجوداً في السابق للظهور. 
مقال اليوم يطرح فكرة قابلة للاستثمار في الواقع العملي على وجهين: 
الوجه الأول: الاجتهاد في المحافظة على القيم الإيجابية، والسلوكيات البناءة، وأساليب العمل الجيدة؛ على اعتبار أن اختفاء هذه التوجهات المحمودة سيجعل الطريق سالكاً لظهور نقيضها غير المرغوب. 
الوجه الثاني: الاجتهاد في معالجة وتحسين القيم السلبية، والسلوكيات العشوائية، وأساليب العمل الضعيفة؛ على اعتبار أن اختفاء هذه التوجهات غير المحمودة سيجعل الطريق سالكاً لظهور نقيضها المرغوب. 
التفكير بناءً على التوجهين السابقين، يسهم بشكل مباشر في تحفيز الأفراد على التعامل مع العناصر والمتغيرات الحياتية المختلفة بمستوى عالٍ من التركيز. الأمر الذي يدفع الإنسان على المستوى الشخصي للتدقيق في تصرفاته، وكذلك طريقته في صنع واتخاذ القرارات، وأسلوبه في تحديد الأولويات والاهتمامات، وكل ما له علاقة بتحسين مفاصل الحياة المتعددة. كما يؤدي هذا التوجه إلى تطوير سياسات وقوانين ونُظُم العمل المؤسسي؛ من خلال قيام المديرين والموظفين بالتقييم المستمر لطرق وأساليب الأداء، بما يصب في مصلحة الإبقاء على الجوانب الجيدة، والتخلص من الأمور السلبية، وعلى المستوى المجتمعي العام، من الضروري الاجتهاد في المحافظة على القيم والممارسات الهادفة، وتجنّب كل ما من شأنه تحقيق تراجع المجتمع، وانفصاله عن التطورات العالمية المتلاحقة. 
لتوضيح المبدأ القاضي بعدم التقاء الشيء ونقيضه، يمكننا إيراد مجموعة من الثنائيات كأمثلة: الصحة نقيض المرض، الخير نقيض الشر، النظام نقيض الفوضى، النجاح نقيض الفشل، المحبة نقيض الكراهية، الإبداع نقيض التقليد، الفوز نقيض الخسارة، الأمل نقيض اليأس، الشجاعة نقيض الجُبن، السعادة نقيض الحزن، الرفق نقيض القسوة، الإقدام نقيض التردد، التفاؤل نقيض التشاؤم، الحماس نقيض الإحباط، التعاون نقيض الصراع، الكرم نقيض البخل، الانفتاح نقيض الانغلاق، النور نقيض الظلام، الهدوء نقيض الضوضاء، النشاط نقيض الكسل، المعرفة نقيض الجهل، القوة نقيض الضعف، التخطيط نقيض العشوائية، التأني نقيض التسرع. 
قد يتساءل البعض، هل يحتمل وجود منطقة رمادية بين الشيء ونقيضه، بحيث يصعب التمييز بين الصفتين؟ إنّ مسألة التداخل محتملة الحدوث في حال غياب معايير التمييز الدقيقة، مثلاً على المستوى الشخصي قد يصعب على الفرد التمييز بين الطعام الصحي والطعام غير الصحي؛ وذلك عند غموض معايير التقييم الواضحة لكل صنف. وأما على المستوى المؤسسي، قد لا يتمكن المدير من تقييم مستوى أداء الموظفين بشكل جيد؛ وذلك عند فقدان المؤشرات المحددة لأسس ومعالم الأداء المستهدف. كذلك الأمر على المستوى المجتمعي العام، قد يفقد الأفراد القدرة على التمييز بين السلوكيات الإيجابية والسلوكيات السلبية؛ وذلك عندما تختلط الأمور، وتتداخل معايير التقييم مع بعضها. 
ختاماً نقول.. ينبغي على الأفراد، وأولياء الأمور، والمديرين، والموظفين، والمؤثرين في المجتمع، الأخذ بأسباب دعم الجوانب المشرقة، والمحافظة على كل ما من شأنه تحسين أنماط المعيشة، وتطوير مفاصل الحياة المختلفة. مقابل بذل الجهود الكفيلة بالتخلص من جميع معوّقات التطور، أو تقليل تأثيراتها السلبية، وجعلها عند الحد الأدنى.