شبح تفكك أوروبا.. بقلم: مفتاح شعيب

شبح تفكك أوروبا.. بقلم: مفتاح شعيب

تحليل وآراء

الخميس، ٥ مايو ٢٠٢٢

بالتزامن مع مزاعم نائب أوكراني سابق عن استعدادات جارية في منطقة غربي أوكرانيا للانضمام إلى بولندا، اتهم سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أليكسي دانيلوف، المجر بالتخطيط للاستيلاء على جزء من أراضي بلاده بعد بدء العملية الروسية الخاصة. ربما تكون هاتان الإشارتان تدلان على واحدة من حقائق الصراع في أوكرانيا، أو هما مؤشر إلى ما يمكن أن تنزلق إليه دول أوروبا في المستقبل.
في ضوء الغموض الذي يلفّ الأحداث في أوكرانيا تظل كل الاحتمالات واردة. ومثل هذه التصريحات الصادرة من كييف قد تكون نوعاً من المزايدة السياسية ولغة الاستعطاف، ولكن للحروب والصراعات منطق لا يؤمن بمثل هذه الأساليب والمشاعر، وما يبدو تكهناً أو خشية الآن، قد يكون أمراً واقعاً في وقت ليس ببعيد. وأكبر المخاطر قسوة أن تكون الوحدة الجغرافية للدول مهددة، والقارة الأوروبية بالذات هي أكثر مناطق العالم التي تشهد على نشوء دول وتفكك أخرى، وآخرها كان قبل أقل من ثلاثين عاماً حين تفكك الاتحاد السوفييتي، وبعده تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا، وما تزال هناك الكثير من الصراعات القابلة للانفجار في أي لحظة عندما تتوفر الشروط الموضوعية لذلك، وعندما تنتهي التسويات التي أبرمت في وقتها، سواء بحكم قوة الأمر الواقع أو بالإغراء المالي والسياسي والأمني الذي مارسته بعض دول أوروبا الغربية على نظيراتها الشرقية خلال تسعينات القرن الماضي بدعم أمريكي واضح، ومن ذلك الاستدراج بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي أو الانضمام إلى حلف «الناتو».
حين اندلع الصراع في أوكرانيا في فبراير الماضي مع بدء القوات الروسية عمليتها الخاصة، عمّ الذهول العواصم الأوروبية الكبرى، وحذر بعض قادتها صراحة، من أن هذه الحرب لها تأثيرات شديدة العمق على أمن أوروبا ومستقبلها. ومن المحاذير أن تندلع حروب بسبب ثارات قديمة جرى إخمادها عنوة لعشرات السنين، ومن ذلك ما قد يحصل بين أوكرانيا والمجر وبولندا، وبين صربيا ودول يوغسلافيا السابقة، وبين روسيا ومولدوفا. وقبل يومين لم يستبعد المستشار الألماني أولاف شولتز، أن تهاجم القوات الروسية دولاً أخرى بعد أوكرانيا. وفي سياق لا يمكن استبعاد أن تقوم دول أخرى بمهاجمة بعضها بعضاً تحت ضغط التوتر العسكري المتصاعد في شتى الأنحاء.
القول إن مصير دول أوروبا واستقرارها أصبح على المحك ليس تشخيص ما قبل الكارثة؛ بل هو الكارثة عينها، فالمخاوف والتوترات باتت على أشدّها، والتحرك الأوروبي الأمريكي للوقوف ضد روسيا ومحاولة عرقلة خططها في أوكرانيا تحرّكه مصالح تلك الدول وغريزة الدفاع عن أمنها، والخشية الضاربة على مستقبلها، وليس انتصاراً صرفاً لمبدأ نصرة شعب في وجه تدخل خارجي أو تحييد الخطر الروسي. 
وما لم يتوقف الصراع في أوكرانيا وينتهي إلى سلام واتفاق واضح المعالم، فإن كل يوم يمر يحمل مزيداً من نذر الشؤم لأوروبا ويجعل شبح تفكّكها أكثر وضوحاً، وقد يعيد دولها جميعاً إلى عصر ما قبل الاتحاد والسوق المشتركة. وحينها ستكون هناك الكثير من الأزمات التي ستنفجر، وربما ستعاد هندسة خريطة القارة، وفق توازنات مختلفة وبقيم وحسابات النظام الدولي الجديد.