هل انتهت العولمة؟.. بقلم: عماد الدين حسين

هل انتهت العولمة؟.. بقلم: عماد الدين حسين

تحليل وآراء

الخميس، ٣١ مارس ٢٠٢٢

في عام 2005 نشر الكاتب الأمريكي المعروف توماس فريدمان كتابه «العالم مسطح»، وقال فيه إن العولمة اكتسحت العالم، خصوصاً بعد أن افتتح ماكدونالدز فرعه في موسكو، وأن أي دولتين يوجد بهما ماكدونالدز لن يشهدا نزاعات أو صراعات بينهما أبداً.اليوم وبعد أكثر من 17 عاماً وفي تقدير بعض المراقبين، فإن الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا، وما أعقبه من عقوبات غربية غير مسبوقة ضد روسيا، سيؤدي ضمن نتائج كثيرة إلى تراجع وربما سقوط العولمة بالصورة التي عرفناها في الثلاثين عاماً الأخيرة، وأننا مقبلون على مرحلة انقسام العالم إلى معسكرين، وربما أكثر وإجراءات حمائية، بل ربما تنهار أيضاً فكرة وسائل التواصل الاجتماعي.
الآن تعالوا نحاول رصد أهم الضربات التي تلقتها العولمة في الأيام والأسابيع الأخيرة.
في اللحظة التي دخلت فيها القوات الروسية إلى أوكرانيا فرض الغرب أكبر عملية عقوبات ربما في التاريخ الحديث، ونعلم أن أحد أهم أسس العولمة هو اتفاقية التجارة العالمية، خصوصاً في ما يتعلق بحرية التجارة والتبادل التجاري.
العقوبات شملت إخراج معظم البنوك الروسية من نظام سويفت للتعامل البنكي السريع. الغرب أوقف معظم التبادل التجاري مع روسيا، وأغلق سماواته في وجه الطائرات الروسية، ونعلم أن حرية التنقل واحدة من أهم أسس العولمة.
من مظاهر العولمة الحديثة أيضاً حرية التبادل الإعلامي وانسياب الإعلام في كل الاتجاهات، لكن ما رأيناه عقب بدء الأزمة بساعات أن وسائل التواصل الاجتماعي، وهي أمريكية المنشأ قررت حجب وسائل الإعلام الروسية، من التواجد بمنصاتها خصوصاً فيسبوك وتويتر ويوتيوب وإنستغرام.
بعدها أعلنت روسيا أنها بصدد تأسيس وتنشيط وسائل تواصل اجتماعي خاصة بها، مثلما فعلت الصين قبل سنوات طويلة حينما أسست «وي شات» بديلاً للفيسبوك الغربي.
بعد هذا القرار قررت موسكو تنشيط السويفت الروسي الخاص بها، والذي يستوعب 30% تقريباً من معاملاتها البنكية، وإذا توحد النظامان الصيني والروسي بشأن سويفت، فسوف يكون لدينا نوعان من هذا النظام: واحد غربي تقوده أمريكا وأوروبا، وآخر شرقي تقوده الصين وروسيا وقد تنضم إليهما دول أخرى تخشى أن تقع ذات يوم تحت طائلة العقوبات الأمريكية الأوروبية.
ثم أن الغرب قرر معاقبة أكثر من ألف رجل أعمال ومستثمر روسي بحجة أنهم مقربون من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظامه، وصادر أموالهم وممتلكاتهم، وهذا القرار يضرب عولمة الأموال في مقتل، وسيجعل أي رجل أعمال يفكر مليون مرة قبل أن يودع أموالاً في بنوك غربية أو يستثمر هناك.
الغرب لم يكتفِ بمعاقبة رجال الأعمال الروس بل قيّد وصول الاقتصاد الروسي للتكنولوجيا المستوردة، كما جمّد الأصول الاحتياطية للبنك المركزي الروسي، ليس فقط عن نظام المدفوعات المالية سويفت، بل عن المؤسسات الأساسية للتمويل الدولي، بما في ذلك جميع البنوك الأجنبية وصندوق النقد الدولي، مما قد يعرّض الاقتصاد الروسي للتخلف عن سداد ديونه بالعملات الأجنبية، وبالطبع أدى إلى تراجع قيمة الروبل الروسي.
طبقاً لخبراء فإن هذه الأزمة وجهت ضربة شديدة للعولمة، لكن حتى قبل اندلاعها فإن الشعبويين والقوميين في العالم أجمع خصوصاً أوروبا، أقاموا العديد من الحواجز أمام التجارة الحرة والاستثمار والهجرة وانتشار الأفكار كما رأينا تحديداً في أمريكا التي بشرت بالعولمة.
ثم أن تحدي الصين للنظام الاقتصادي الدولي القائم على القواعد والترتيبات الأمنية طويلة الأمد في آسيا، جعل الغرب يقيم بدوره حواجز أمام التكامل الاقتصادي مع الصين. وبالتالي فإنّ تداعيات الأزمة الأوكرانية سوف تشجع من هذه العوامل.
العقوبات على روسيا قد تدفع بدول أخرى إلى الاعتماد على ذاتها أكثر، وبالتالي مزيد من الانعزال عن الاندماج في الاقتصاد العالمي.
فهل تتحقق المخاوف وتنهار العولمة أم تصمد وتستعيد عافيتها مرة أخرى؟