«لماذا لم أُولد مبدعاً؟».. بقلم: د. باسمة يونس

«لماذا لم أُولد مبدعاً؟».. بقلم: د. باسمة يونس

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣٠ مارس ٢٠٢٢

الكثير من الأشخاص يسألون «لماذا لم أولد مبدعاً؟» ويتجادلون حول ما إذا كان الإبداع موروثاً أم مكتسباً. وفي الوقت نفسه تزداد الدراسات التي تناقش ما إذا كان الإبداع والتفكير الإبداعي سمة متأصلة أو مهارة مكتسبة ومعظمها تؤكد أنه في الواقع.. كلاهما.
فالإبداع «تقنياً» موروث من قبل الجميع، وهو سمة إنسانية مشتركة أكثر من كونه منحة لأفراد معينين. وكانت دراسة أجراها جورج لاند في 1968 لستمئة طفل تتراوح أعمارهم بين ثلاثة إلى خمسة أعوام، واستشهد بها على نطاق واسع بأن الأطفال يولدون مبدعين لكنهم يفقدون إبداعهم أثناء انتقالهم عبر الحياة إلى مرحلة البلوغ سواء كان هذا التآكل الإبداعي ناتجاً عن تجارب الحياة، أو التعليم، أو الخوف من الفشل، أو كل ما سبق.
إن الخبر السار هو أن الإبداع يمكن صياغته وإعادة تعلمه في حال كانت برامج الإبداع مصممة بشكل جيد وتحفز المتعلمين على التقدم في الأداء، أما الأخبار السيئة فهي أن السلوك غير الإبداعي يمكن تعلمه أيضاً.
وتعد رواية «فرانكشتاين» التي اشتهرت في القرن التاسع عشر مثالاً لمعنى أن الإبداع مزيج بين الموهبة والخبرة الحياتية، فكاتبتها ماري شيلي مولودة لعائلة مثقفة تتكون من والدها الكاتب والمفكر ويليام غودوين ووالدتها الكاتبة ماري وولستونكرافت التي توفيت بعد أقل من شهر من ولادتها وزوجها الشاعر بيرسي شيلي.
لم يكن هناك ما يدل على أن«ماري ستكتب يوماً رواية تحظى بكل تلك الشهرة إلى أن قضت ليلة عاصفة مع أصدقائها يناقشون قصص الرعب ويتنافسون حول من سيكتب أكثر القصص رعباً، واستيقظت وهي ترتعد من الخوف في الثانية صباحاً بعد أن رأت في حلمها طفلاً شاحباً راكعاً أمام شيء صنعه بيده.
وبعد مرور عامين على حلمها، نشرت ماري أولى رواياتها «فرانكشتاين» التي استوحتها من البيئة المثالية المؤلفة من مناقشة حامية حول قصص الأشباح والحلم الذي زارها تلك الليلة.
وأثارت حالة شيلي اهتمام عدد من الدارسين فهي برهان على أن الإبداع قد يكون في الواقع أكثر وراثة من كونه مكتسباً لكنه يحتاج ببساطة إلى البيئة المناسبة للتكون والنشوء. وتدعم الرأي مجموعة من النظريات الشائعة مثل نظرية مالكولم جلادويل التي تقدم نصائح لاكتساب الخبرة من خلال التدرب لعشرة آلاف ساعة كشرط أساسي ليحصل الفرد على الخبرة في مجال موهبته، ويصبح أكثر إبداعاً باستثمار الوقت فيها.
ومع ميل كثير من الآراء المعززة بدراسات علمية نحو الإبداع كمزيج بين المهارات المكتسبة بالاعتماد على الموهبة الوراثية، فإن أغلبها تلح على أن الإبداع مزيج من التعلم والجينات، وتخبرنا تلك الجينات بأن كل إنسان لديه موهبة فطرية في مجال ما، لكنه لن يصل إلى درجة الإبداع مالم يسعى إلى صقل موهبته وتعزيزها في ظل توفر البيئة المثالية لاحتضانها وتحريرها من مكمنها.