هل تندلع حرب عالمية ثالثة بالخطأ؟.. بقلم: د. أيمن سمير

هل تندلع حرب عالمية ثالثة بالخطأ؟.. بقلم: د. أيمن سمير

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٥ فبراير ٢٠٢٢

يحرص الرئيس الأمريكي جو بايدن ومستشاره للأمن القومي جيك سوليفان على التأكيد الدائم بأن الولايات المتحدة لا تنوي الدخول في «حرب مباشرة» مع روسيا، ولا يمكن للجنود الأمريكيين والروس أن يطلقوا النار على بعضهم البعض.
وعندما خرجت كلمة حرب عالمية على لسان الرئيس بايدن سارع البيت الأبيض بتوضيح، مفاده أن الرئيس لا يتحدث عن حرب عالمية على الإطلاق، وأن الولايات المتحدة لن تتدخل في الحرب في أوكرانيا حال قيام روسيا بأي من سيناريوهات الحرب الثلاث المتوقعة، وهي الحرب المحدودة أو الممتدة أو الغزو الشامل لأوكرانيا.
فالإرادة السياسية لحلف الشمال الأطلسي «الناتو»، بقيادة الولايات المتحدة واضحة تماماً حال اندلاع الحرب، وهي أنهم لن يتدخلوا في هذه الحرب إلا من خلال تقديم الدعم بالسلاح والمشورة لأوكرانيا، وفرض كل أنواع العقوبات السياسية والاقتصادية على روسيا مع حماية حدود «الناتو»، وفق المادة 5 التي توجب الدفاع الجماعي عن أية دولة من الحلف، عندما تتعرض لغزو أو عدوان.
لكن هل هذا الإعلان الواضح بعدم تدخل «الناتو» وواشنطن في الحرب ضمان كامل، وكاف بعدم توسع الحرب وخروجها خارج الأراضي الأوكرانية؟ وهل يمكن أن تضطر الولايات المتحدة للدخول في حرب لا تتمناها،بما يقود لحرب عالمية ثالثة نتيجة الاصطفافات والتحالفات الجاهزة على غرار التقارب الصيني- الروسي ضد تحالفات الناتو والأوكوس وكواد وكواد بلس والعيون الخمس وغيرها؟
سياسة الانكفاء
أغلبية الحروب وبخاصة الحروب الكبرى لم يجر التخطيط المسبق للدخول فيها، بل أدت بعض الأخطاء إلى نشوبها، فعلى سبيل المثال كانت الولايات المتحدة منذ استقلالها في 4 يوليو 1776 تتخذ مبدأ عدم التدخل والانخراط في الحروب الأوروبية، وهي السياسة التي يطلق عليها «السياسة الانعزالية» أو «سياسة الانكفاء»، ومع بدايات الحرب العالمية الثانية كان الرأي العام الأمريكي ضد الدخول في الحرب.
لكن الحسابات اليابانية الخاطئة في ذلك الوقت بضرب ميناء بيرل هاربر في هاواي في 26 نوفمبر عام1941، كانت السبب الرئيسي في التحول الكامل في المزاج السياسي والرأي العام الأمريكي، وفي النهاية دخلت الولايات المتحدة أكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية.
نداءات يومية
قراءة مسرح العمليات في شرق وجنوب شرق أوروبا، الذي اندلعت منه شرارة الحربين العالميتين الأولى والثانية تقول: إن اندلاع حرب أوسع نتيجة خطأ هنا أو هناك واردة جداً، فهناك حتى الآن نحو 30 ألف مواطن أمريكي على الأراضي الأوكرانية، ولم ترغب أعداد كبيرة منهم الخروج من هناك رغم النداءات اليومية، التي تطلقها الخارجية الأمريكية وسفارتها في كييف، ويتضاءل كل يوم فرص الخروج أمام هؤلاء على الرحلات التجارية، بسبب إعلان شركات إعادة التأمين أنها لن تؤمن أية رحلة في الأجواء الأوكرانية، وهو ما يجعل الأجواء مغلقة بطريقة غير مباشرة أمام هؤلاء.
هذا الأمر دفع الولايات المتحدة لإرسال نحو 3000 جندي إلى بولندا، منهم 1800 جندي على الحدود البولندية الأوكرانية لإنقاذ الأمريكيين، الذين قد يحاولوا الفرار عبر الحدود، وهي قضية غير آمنة، وقد يضطر الجنود الأمريكيون للتدخل مسافة قريبة أو بعيدة من الحدود البولندية الأوكرانية داخل الأراضي الأوكرانية، وهو ما قد يقود الروس لقصف الجنود الأمريكيين.
ولهذا أعلنت الولايات المتحدة أكثر من مرة أنها لن تدخل الأراضي الأوكرانية حتى بهدف إجلاء مواطنيها، لكي تكون الرسالة واضحة للرئيس بوتن بعدم وجود أية نية أمريكية مباشرة للتدخل في الصراع.
التكاليف البشرية
كما أن زيادة التكاليف البشرية للمعارك قد تكون دافعاً أخلاقياً وسياسياً لتوسيع دائرة الحرب، فالحسابات الأمريكية تقول: إن وصول الروس إلى كييف قد يؤدي لقتل 50 ألف أوكراني، كما أن ضعف دول البلطيق الثلاث قد يغري روسيا بالسيطرة عليها نظراً للعداء الشديد بينهم وبين موسكو، وهو نفس السيناريو بالنسبة لبولندا، التي كانت سيطرة ألمانيا عليها في سبتمبر 1939 بمثابة الشرارة الأولى للحرب العالمية الثانية.