التعميم في التقويم يخلط حابل “الدعم” بنابله!.. بقلم: قسيم دحدل

التعميم في التقويم يخلط حابل “الدعم” بنابله!.. بقلم: قسيم دحدل

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٧ ديسمبر ٢٠٢١

لا مناص على مستوى إدارة المال العام إلا أن يتم البت نهائياً بالقضية الأقدم طرحاً ودراسة وتمحيصاً، ألا وهي قضية “الدعم ومستحقيه”، خاصة بعد أن استفحلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية صعوبة وتأزماً، في ظل المتاح والممكن من موارد وإمكانيات مادية ومالية، ولكن لم نكن نتوقع أن يقارب وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك موضوع من يستحق ومن لا يستحق الدعم بهذا الشكل الإخراجي “المثير”، بل كنا نترقب إخراجاً مستنداً لدراسات بحوث وإحصائيات اقتصادية رصينة تعتمد قواعد بيانات نعتقد توفرها وتوفر أدواتها ووسائلها، سواء أكان حكومة الكترونية، أو بطاقة تكامل، وغيرهما، مما يُعتد به في مثل هكذا قضايا حسابية توضح بجلاء لا لبس فيه تفاصيل وضع كل عائلة وشخص في سورية لناحية الدخل والإمكانيات والملكيات المادية والمالية والاستثمارية، وبالتالي الوقوف على حقيقة تلك الإمكانيات والملكيات، وهل هي استثمارية تشغيلية ذات عائد اقتصادي وتجاري مالي متراكم، أم هي لتأمين دخل معيشي لا أكثر، هذا جانب من جوانب عديدة يجري على أساسها تحدي المستحق وغير المستحق؟
أما أن يقول الوزير، تعقيباً على ردود الأفعال والأقوال التي اشتعلت بها “السوشال ميديا” ومواقع التواصل: “إن ما يتم تداوله من شرائح يقال إنها ستحذف من الدعم هو مجرد جمع معلومات للدراسة، ولم يتم اتخاذ القرار بمن سيستبعد من الدعم” (نضع عشرة خطوط تحت: مجرد جمع معلومات، ولم يتم بعد!)، فهو كلام لا يرتقي لمستوى حساسية القضية وتبعاتها، ولا يعكس أن هناك دراسة اقتصادية شافية كافية مدعومة بخوارزميات رياضية تحدد بدقة من يستحق ومن لا يستحق، والسؤال: هل بهذه الطريقة يتم جمع المعلومات، أم أن هناك غايات أخرى؟!.
مثلاً لا حصراً، عندما تم تحديد أن كل من يملك أكثر من بيت في منطقة واحدة سيندرج في خانة عدم استحقاق الدعم، هل يعقل أن يكون التقويم والتحديد في ذلك بهذا الشكل من التعميم، أي أن يُستبعد كل مالك لذلك من الدعم قبل أن نعرف ونحدد هل ذلك البيت الإضافي أو البيتين هما حصيلة تعب العمر (الحيلة والفتيلة)، وأن صاحبهما – الذي ليس لديه عمل أو مورد آخر – يعيل بهما عائلة أو أكثر، هو كمثل الذي يملك بيوتاً في منطقة واحدة وعدة محافظات، وربما يملك عقاراً أو عقارات خارج الوطن، وفوق هذا لديه أعماله الأخرى التي تدر عليه دخلاً وافراً؟!.
وعليه، فالغريب في القضية ألا يعلم من عمل على قضية الدعم وتحديد مستحقيه أن هناك شريحة اجتماعية ليس لها عمل ولا وظيفة، ونتيجة لعدم وجود قنوات ادخارية واستثمارية تدر دخلاً آمناً إلى حد ما لجأت لوضع “تحويشة العمر” في عقارات سكنية للاستفادة من إيجاراتها الشهرية، وتأمين ما يكفل لها مردوداً مالياً تقوى به على مواجهة متطلبات الحياة المعيشية التي لم يعد بدل إيجار منزل إضافي ولا حتى منزلين وثلاثة قادراً على تأمين دخل شهري يقي مالكها وعائلته الحاجة!
ولعل الأغرب أن يتم اعتماد مثل تلك المحددات وبهذا التعميم دون أن يتم قبلاً إنجاز قاعدة بيانات مدعومة بمعلومات شاملة، إذ من غير المعقول والمقبول لا قانونياً ولا مالياً ولا منطقياً المساواة بين من يملك منزلاً أو أكثر في مناطق غير منظّمة “عشوائية”، وآخر يملك في مناطق منظّمة عمرانياً “راقية”، والكل يعلم الفارق المالي الكبير بثمن المنازل وبدل الإيجار في كلتا المنطقتين!
هذه عينة من معلومات تتضمن مؤشرات يمكن أن تستند إليها محددات الدعم أو عدمه، إن كان وزير التجارة يحتاج لمعلومات، وعلى غرارها يمكن القياس للعديد من المحددات المنطقية وغير المنطقية أبداً، وإلا اتهم القائمون على تحديد محددات الدعم بالارتجالية وعدم المنهجية والبحثية حين وضعها، وهذا قياس يختلط فيه “الصالح بالطالح”، المستحق باللامستحق!.