الشهرة والتأثير.. بقلم: حسن مدن

الشهرة والتأثير.. بقلم: حسن مدن

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٤ نوفمبر ٢٠٢١

قبل عقود طويلة من نشوء ظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة: «فيسبوك»، «تويتر»، «إنستجرام»، «سناب شات» وغيرها، التي أضحت، في عديد الحالات، حوامل لمن يتوخون الشهرة السريعة، سواء كانوا يستحقونها أم لا، فإن مؤلف كتاب «كيف نفهم التاريخ»، لويس جوتشلك، الذي أتينا على ذكره قبل أيام، يدعونا للتفريق بين الشهرة والتأثير.
وإذا كان هذا الرجل قد تنبه إلى ذلك في الزمن السابق ل «السوشيل ميديا»، فماذا عساه سيقول لو قدّر له أن يعيش هذا الزمن، حيث بات تحقيق الشهرة يسيراً، ولو تصفحنا اليوم الكثير من المواقع الإلكترونية، بما فيها تلك التي يمكن وصفها ب «الرصينة» لوجدناها تخصص مساحات لأخبار من يوصفون بالمشاهير، من مغنين وممثلين ورياضيين.
ولا تتصل هذه الأخبار بمنجزاتهم ونجاحاتهم فقط كصدور ألبوم جديد لمغن أو مغنية، أو إطلاق فيلم جديد من بطولة ممثل أو ممثلة معروفين، ولا بهدف خارق في مرمى الفريق الخصم حققه لاعب كرة قدم بارع، وإنما بتفاصيل يمكن وصفها في الكثير من الأحيان بالتافهة، تتصل بحيواتهم الشخصية كعقد قران أحدهم أو إحداهن من المشاهير، أو بالعكس أخبار الخلافات الزوجية أو الطلاق، أو النزاع على ملكية شقة أو بيت الزوجية بعد الانفصال.. إلخ.
في المقابل نجد الحال النقيضة التي عبّر عنها الكاتب المشار إليه بالعبارات الجميلة التالية: هناك «الزهور التي ولدت لتتورد دون أن يراها أحد، ربما تكون قد أعطت رحيقها دون علم منا ليستخدم في صنع العسل»، في إشارة إلى أولئك الناس المنتجين، المبدعين، المعطاءين الذين يعملون بصمت ونكران ذات بعيداً عن الأضواء، فلا يعلم أحد بما يقدمونه رغم أهميته، قياساً ل «عطاء» المحاطين بضجيج الشهرة.
سيكون ضرباً من التعسف طبعاً لو رمينا كل المشاهير بالضحالة أو التفاهة، فهناك من حققوا شهرة، تبلغ في بعض حالاتها حدّ العالمية، ليس لأنهم يحسنون تسويق أنفسهم عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، وإنما لأن ما قدّموه من منجزات في مجالات إبداعهم أو تخصصهم هي التي لفتت الأنظار إليهم، وحققت لهم، بالتالي، شهرة هم أهل لها.
يمكن أن نعطي مثلاً بكاتب مهم يظل مغموراً إلى أن تلتفت لجنة جائزة مهمة ورصينة إلى أعماله، وتقرر منحه جائزتها، لينال شهرة واسعة، لم يكن قد حلم بها أو خطط لها، فشهرة مثل هذه لم تأته على طبق من ذهب كما يقال، وإنما أتت مكافأة له على مثابرته ودأبه وإبداعه وتألقه.
هناك أيضاً من وصفهم صاحبنا ب «القرويين المغمورين والأبطال الذين لم يسفكوا دماً وفجأة تأتي دراسة عن مدى أثرهم».