السودان.. إلى أين؟.. بقلم: جمال الكشكي

السودان.. إلى أين؟.. بقلم: جمال الكشكي

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ أكتوبر ٢٠٢١

الخامس والعشرون من أكتوبر الجاري يمثل تاريخاً فارقاً في مسار المستقبل السوداني، المتغيرات سريعة، التجاذبات بلغت مداها، والحفاظ على السودان الشقيق آمناً مستقراً بكامل سيادته أمر لا يقبل القسمة على وجهات النظر.الأمن القومي للسودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.
الجغرافيا تتحدث، الدعم والمساندة واجب وطني بأمر التاريخ.
الفترة الانتقالية بكل تجاذباتها مرت إلى أن وصلت إلى أمور استدعت التوقف أكثر من مرة، فاض الكيل، جاء التحرك لمحاولة إنقاذ البلاد قبل أن تدخل في نفق مظلم.
حدث ما حدث، رسائل الأحداث كثيرة، والمسكوت عنه أكثر، لكن السؤال بات ضاغطاً وملحاً: كيف نقفز بالسودان إلى مستقبل أفضل، ينقذ البلاد من محاولات جرها إلى مستنقعات وأجندات الفوضى والتخريب؟
في الحقيقة هذه الأوضاع تتطلب تقديرات للموقف بشكل سريع وعاجل وتنطلق من التالي: ضرورة التضافر والاصطفاف خلف القرارات التي تقود إلى الاستقرار والحفاظ على الأمن القومي السوداني، والنهوض بالاقتصاد عبر تشكيل حكومة كفاءات بعيدة عن فكرة المحاصصة التي ثبت فشلها في العديد من التجارب العربية، كما أنه لا بد أن يسمو الصوت الوطني فوق أية حسابات أو اعتبارات شخصية أو حزبية أو غير مفهومة في بعض الأحيان، هذا فضلاً عن ضرورة أن يتعامل الشعب السوداني بحذر حتى لا تكون هذه الأحداث بوابة خلفية لاستعادة أجواء الفوضى في المنطقة، كما جرى إبان ما يسمى بالربيع العربي، والحيلولة دون السماح بتمكين الجماعات الإرهابية والأفكار المتطرفة من مفاصل مؤسسات الدولة السودانية.
المشهد صعب، يحتاج إلى مزيد من الحكمة والرشد السياسي، إنقاذ السودان ليس صعباً، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية من نوع خاص تستطيع التجاوب مع هذه التحديات الكبرى بما يتوافق مع طموحات الشعب السوداني في ثورة ديسمبر عام 2019.
الأوضاع خلال الساعات القليلة الماضية قطعاً تستدعي الوصول إلى صيغة مُرضية للشعب السوداني تحمي وتصون أمنه، فمن يقرأ تفاصيل التطورات التي يشهدها الشارع السوداني يتأكد أننا أمام مجموعة من الشواهد التي تؤكد ضرورة استكمال خريطة الطريق للوصول بالبلاد إلى مرحلة إجراء الانتخابات وتقديم حكومة مدنية جديدة عام 2023، وحتمية الحفاظ على مقدرات ووحدة الدولة السودانية، بعد أن أصبحت الفترة الانتقالية مهددة بشكل ربما يؤثر سلباً على أمن البلاد وسلامتها.
الأمر الآخر أن رسائل المشهد تقول بأهمية توفير الإرادة والعزم بقوة لتوفير جميع احتياجات الشعب السوداني، التي حرم منها خلال الفترة الأخيرة، جراء الأطماع السياسية والتنازع بين أفراد الحكومة السابقة.
وسط كل هذه التفاعلات التي يشهدها الشارع السوداني، فإنني أرى ضرورة العمل على العديد من المسارات التي من شأنها إنقاذ السودان شعباً ودولة، أهم هذه المسارات وأولها حتمية الوحدة والتماسك بين أبناء الشعب السوداني، للحفاظ على الثورة وما تحقق خلال العامين الماضيين.
المسار الثاني يرتبط بمزيد من الدعم والمساندة العربية للشقيقة السودان، لما تمثله جغرافيتها من أهمية للأمن القومي العربي.
أما المسار الثالث فيتعلق بالمجتمع الدولي الذي يجب أن يكون محايداً وإيجابياً في التعاطي الموضوعي مع مفردات المشهد السوداني، دون الانحياز لطرف على حساب آخر.
بينما يدعو المسار الرابع جميع الأطراف إلى بذل جهود عظيمة للمشاركة في خريطة طريق، تضمن تشكيل حكومة، تتحلى بأعلى معايير الكفاءة المهنية، وتسمح بتمثيل جميع القوى والمكونات السودانية، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات سياسية واقتصادية وكل ما يهدف إلى حماية سيادة ووحدة البلاد، ويضمن استقرار الأمن القومي العربي والأفريقي، في ظل التحديات الكبرى التي تموج بالمنطقة والإقليم.
أخيراً أستطيع القول إن الوقت مناسب جداً لتحويل مسارات الأمور نحو السودان الذي عرفناه شقيقاً مستقراً، داعماً قوياً في محيطه العربي والأفريقي.
* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي