بيتا مارادونا.. بقلم: حسن مدن

بيتا مارادونا.. بقلم: حسن مدن

تحليل وآراء

السبت، ٣٠ أكتوبر ٢٠٢١

كثيرة هي البلدان التي تهتم برموزها وأعلامها في مختلف المجالات، فتحوُّل البيوت التي عاشوا فيها إلى متاحف يقصدها المهتمون والسياح، لتكون أشبه بالمرايا التي من خلالها يتمّ التعرف إلى حيوات هؤلاء الرموز، وعلى الظروف التاريخية والمجتمعية التي تشكّلت فيها شخصياتهم وتطورت مواهبهم التي أضافت جديداً إلى ما تفخر به بلدانهم وشعوبهم.
مؤخراً أعلنت الأرجنتين اعتبار البيت الذي ولد فيه الأسطورة الكروية دييجو أرماندو مارادونا، موقعاً تاريخياً وطنياً، وهي خطوة قوبلت بترحاب هناك، كون المنزل المتواضع الذي ولد فيه مارادونا عانى طويلاً من الإهمال، حتى أن الأسلاك الشائكة كانت تعلو بابه، وظلّ فناؤه ترابياً. وعهد المرسوم الذي أصدره رئيس الأرجنتين إلى دائرة اللجنة الوطنية للآثار والأماكن والممتلكات التاريخية بمهمة الإشراف على مهمة تحويل البيت إلى موقع وطني تاريخي.
يذكر أن مارادونا ولد في هذا البيت المتواضع عام 1960، هو وخمسة أشقاء آخرين، ومن هناك بدأ لمساته السحرية الأولى للكرة، وحقق شهرة عالمية مع منتخب بلاده الذي قاده إلى الفوز بكأس العالم عام 1986 في المكسيك، ولم يغادر الشاب الذي غدا بطلاً لكرة القدم، هذا البيت إلا بعد أن تمكن من الانتقال مع عائلته إلى منزل أفضل بفضل عقده الأول الذي وقعه مع نادي «أرجنتينوس جونيورز»، حيث ظهر لأول مرة كمحترف في أواخر سبعينات القرن الماضي.
ليس فقط البيت الذي ولد فيه مارادونا كان متواضعاً، وإنما أيضاً البيت الذي مات فيه، فقرار تحويل بيت مولده إلى معلم تاريخي أعاد إلى الأذهان ما نشر بعد وفاته عن عمر يناهز 60 عاماً بعد مسيرة رياضية ملهمة، عن منظر البيت الذي توفي فيه، وأثار يومها أنظار الصحافة ووسائل الإعلام، حيث بدت مثيرة للدهشة الحال المتواضعة التي كان عليها، ما دفع إحدى الصحف يومها للتساؤل: «لماذا لم يستأجر مارادونا مكاناً أفضل؟».
أقام نجم نابولي السابق في غرفة نوم مؤقتة في الطابق الأرضي من المنزل الذي يقع في حي سان أندريس في تيجري بالأرجنتين، تحتوي على حمام خاص، وتمّ وصل الغرفة بمطبخ صغير، وهو مكان به الكثير من الضوضاء التي تجعل الشعور بالراحة متعذراً. ومع أن المنزل احتوى غرفاً أخرى، لم يكن بوسع مارادونا الصعود أو النزول على الدرج، فجهزت تلك الغرفة التي فارق فيها الحياة، وحوت سريراً للنوم وجهاز تلفزيون وحماماً صغيراً، وفيها عاش أسطورة كرة القدم وحيداً، حتى بدون رعاية ممرضة.
ليست المرة الأولى التي نقرأ أو نسمع فيها عن أولئك الذين يصنعون البهجة للعالم، لكنهم يعيشون ويموتون وحيدين جداً.