ماذا بين أمريكا والصين؟ اسألوا.. كيسنجر!.. بقلم: رشاد أبو داود

ماذا بين أمريكا والصين؟ اسألوا.. كيسنجر!.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٧ أكتوبر ٢٠٢١

قبل خمسين عاماً، غيّر ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر دفة سفينة التاريخ. وبزيارته السرية للصين العام 1971 ولقائه زعيمها آنذاك ماوتسي تونغ، حوّل بكين إلى صديق، إن لم نقل إلى حليف للولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة عدوها الأول الاتحاد السوفييتي.
وعلى مقاعد خشبية غير فارهة جلس كيسنجر وماو يحتسيان كوبين من الشاي الأخضر الصيني المهدئ للأعصاب. كان لتلك الجلسة التي مهدت لها اجتماعات مكثفة بين كيسنجر ورئيس وزراء الصين شو ان لاي، الأثر الأكبر في تهدئة التوتر بين البلدين العملاقين. واستطاع كيسنجر، الذي كان حينها في موقع مستشار الأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون، أن يقنع الزعيم الصيني بالانفتاح على الغرب وخصوصاً أمريكا. والهدف إبعاد بكين عن موسكو، حليفها الشيوعي.
يذكر أنه في الخمسينيات والستينيات كانت الصين الدولة المعزولة الأولى في العالم أكثر بكثير من الاتحاد السوفييتي. وقاتلت الصين في حربين ضد الولايات المتحدة في كوريا وفي فيتنام، وغذت الثورات ضد رأسمالية الغرب في العالم النامي.
زيارة كيسنجر لبكين، التي تلتها بعد سنة زيارة الرئيس نيكسون، نجحت في تحقيق هدف شق الجدار الشيوعي إلى نصفين لدرجة أن العلاقات بين بكين وموسكو وصلت من التوتر إلى حافة حرب ساخنة. ونشأت علاقة استراتيجية تاريخية بين أمريكا والصين أدت إلى فوزهما في الحرب الباردة التي تلت الحرب العالمية الثانية. الشراكة الجديدة سهلت الإصلاحات الاقتصادية التي نقلت الصين نحو الرأسمالية المزدهرة بعد وفاة ماو.
لكن لكل شيء نهاية وخصوصاً السياسة والعلاقات بين الدول التي تتلون بلون المصالح. فاليوم بعد خمسين عاماً على زيارة كيسنجر لبكين يعود البلدان إلى نقطة البداية في إطار خلق نظام عالمي جديد. فقد استفادت الصين من التقارب مع أمريكا بأن أصبحت المنافس الأقوى لأمريكا اقتصادياً وعسكرياً. وهما تقفان الآن على شفا حرب قد تدمر العالم، كما قال كيسنجر نفسه.
وفي الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني الشهر الماضي، توعد الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن أعداء الصين «ستتضرج رؤوسهم بالدماء في مواجهة جدار عظيم من الفولاذ».
يرى كيسنجر، الذي يقترب عمره من المائة سنة، أن على واشنطن الوصول إلى تفاهم مع بكين لضمان الاستقرار، وإلا سيواجه العالم فترة خطيرة كتلك التي سبقت الحرب العالمية الأولى. وقال في كلمة عبر «زووم» بفعالية أقامها المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، إن الأمر المهم يتعلق بما إذا كان بمقدور الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الوصول إلى تفاهم مع الصين حول نظام عالمي جديد.
وأضاف: «إذا لم نصل إلى هذه النقطة وإذا لم نصل إلى تفاهم مع الصين بهذا الشأن، سنكون في الوضع الذي سبق الحرب العالمية الأولى في أوروبا، حيث كانت الصراعات المستمرة تحل على أساس فوري، لكن أحدها كان يخرج عن السيطرة في مرحلة ما».
وتابع حسبما نقلت عنه «رويترز»: «الأمر الآن أكثر خطورة مما كان عليه في السابق»، مضيفاً إن الأسلحة فائقة التطور التي يمتلكها الجانبان قد تؤدي إلى صراع خطير للغاية. وذكر أن الولايات المتحدة ستجد على الأرجح أن من الصعوبة بمكان أن تتفاوض مع خصم مثل الصين سرعان ما سيتفوق ويصبح أكثر تقدماً في بعض المجالات.
وأوضح أن المسألة الأخرى هي ما إذا كانت الصين ستقبل بهذا النظام الجديد، مشيداً بمهاراتها في تنظيم نفسها لتحقيق تقدم تكنولوجي تحت سيطرة الدولة، وأن على الغرب أن يرتقي بأدائه، مشيراً إلى أن قوة الصين الاقتصادية لا تعني أنها ستتفوق تلقائياً في كل المجالات التكنولوجية في هذا القرن.
لا شيء مؤكداً حتى الآن، وما هو مؤكد فقط أن نظاماً عالمياً جديداً يتشكل الآن. فهل حجزنا نحن العرب مكاناً في قطار النظام الجديد؟