ارتباك في البحوث حول سياسات أميركا.. بقلم: دينا دخل اللـه

ارتباك في البحوث حول سياسات أميركا.. بقلم: دينا دخل اللـه

تحليل وآراء

الخميس، ٢١ أكتوبر ٢٠٢١

يسود ارتباك واضح في تحليل السياسات الدولية للولايات المتحدة اليوم، وهذا الارتباك تخطى دائرة السياسيين والإعلاميين ليصل إلى مراكز البحوث، بما في ذلك تلك الموجودة في الغرب والتي تدّعي أنها مراكز البحث الموضوعي غير المنحاز.
المشكلة هي في طبيعة المرحلة حيث ينتقل النظام الدولي من نمط القطب الأوحد إلى تعددية الأقطاب، ولاشك في أن الفيتو الأول منذ انهيار الاتحاد السوفييتي كان إعلاناً واضحاً عن الموت السريري لنظام القطب الأوحد، كان ذلك في حزيران 2011 عندما رفع مندوبا روسيا والصين يديهما لمصلحة سورية ضد مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن.
هذا يعني أن سورية كانت الغائب الحاضر في هذا الإعلان التاريخي عن بداية نهاية نظام دولي لا يمكن أن يستمر بسبب فعالية قانون النمو غير المتوازن للدول في إطار العلاقات الدولية، هذا القانون يعني أن نمو القوة الأميركية في انحسار نسبي ونمو القوتين الروسية والصينية في تقدم نسبي باتجاه توازن جديد يأتي على حساب موقع الولايات المتحدة ودورها في العالم.
إن التركيز على مصطلح «نسبي» لا يعني أن الولايات المتحدة أصبحت دولة ضعيفة في العلاقات الدولية وإنما يعني أنها خسرت من نفوذها لمصلحة العملاقين الروسي والصيني، على الرغم من أنها ما زالت قوية، وقوية جداً.
من جهة ثانية، الانحسار في القوة الأميركية لا يتم دفعة واحدة، لذلك فإن الفيتو المذكور، وبعده أكثر من عشرة، إنما هو إشارة أو رمز لعملية طويلة الأمد يموت فيها نظام عالمي ويولد نظام جديد.
اليوم يعيش العالم في خضم هذه العملية، وهي عملية شديدة الحساسية والتوتر بما يكفي لظهور كمية هائلة من الارتباك في التقييم والتحليل، وغالباً ما يخضع التحليل لأمرين، الأول هو الانطلاق من الرغبة في صدر المحللين والثاني الايديولوجيا في عقولهم، لذلك عندما تقرأ أول سطر في أي تحليل عندنا وفي أوروبا وأميركا، نكتشف فوراً رغبة الكاتب ومواقفه الإيديولوجية والسياسية.
لا يشذ عن ذلك باحثون في مراكز مرموقة مثل «المجلس الأطلسي» أو غيره. تشعر من الوهلة الأولى أنك أمام نص مؤدلج يرى الأحداث وفق معايير مسبقة. واحد من أهم هذه التقارير هو بحث حول «خيارات الولايات المتحدة تجاه سورية» للباحثين نيت روزنبلات وجمانة قدور، نشره «المجلس الأطلسي» في حزيران الماضي.
قارئ النص يشعر وكأنه يقرأ تحليلاً سياسياً مبتذلاً لمعارض سوري في إسطنبول، حتى المصطلحات وأسلوب التعبير لا يمكن أن يشير إلى مركز بحوث جاد يمول بملايين الدولارات.
هذا النص لا تشذ عنه كل النصوص التي تصدرها مراكز أبحاث في أميركا وأوروبا، إنه وجه آخر منسي من وجوه الارتباك الذي يشوب مرحلة متوترة يتم فيها انتقال صعب من نظام القطب الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب، على حين تلعب الإيديولوجيا في عقول الباحثين والرغبة في صدورهم لعبتها.