العلاقات الأمريكية الصينية وتأثيرها في مستقبل العالم.. بقلم: فريدريك كيمب

العلاقات الأمريكية الصينية وتأثيرها في مستقبل العالم.. بقلم: فريدريك كيمب

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٠ أكتوبر ٢٠٢١

تمثل العلاقات الثنائية الأمريكية الصينية، أكثر العلاقات الثنائية أهمية، ومن المُرجّح أن تكون أيضاً أكثرها خطورة، على مر التاريخ البشري. وبالنظر إلى هذه الحقيقة، لا يُدير أي من الطرفين التوتر الراهن المتصاعد بينهما باستراتيجية ثابتة.
ثمة تعريف لمصطلح «الحرب الباردة»، ترسخ منذ عهد الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي المُنهار، وهو أن يحشد كل طرف من طرفي الصراع، إمكاناته النووية غير المسبوقة، بُغية تدمير الطرف الآخر، والأطراف التي تناصره، من دون تحقيق ذلك فعلياً.
وإذا رجعنا بالذاكرة إلى فترات أبعد من حقبة الحرب الباردة، فسنجد أن العلاقات البريطانية الأمريكية، كانت أكثر حسماً في توصيف العلاقة بين قطبين عالميين متنافسين، حيث تطورت العلاقة من صراع حاد في القرن التاسع عشر، إلى تحالف وثيق، حال دون انتصار الفاشية في الحرب العالمية الثانية، خلال القرن العشرين.
وبالعودة إلى العلاقات الأمريكية الصينية، فسنجد أنها تحظى بأهمية فريدة تاريخياً، وذلك في ضوء الطابع متعدد الأبعاد، الذي يُميز هذه العلاقات، والذي يتلامس مع كل جانب من الشؤون العالمية الراهنة تقريباً، بل والمُستقبلية أيضاً.
وتتضح صحة هذا الرأي، أيّاً ما كان الشأن العالمي الذي نتحدث عنه، بما في ذلك إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة، الاقتصاد العالمي، التغير المناخي، الصراع بين الديمقراطية والسلطوية، مستقبل الفضاء، أو تسارع حدة التنافس على الهيمنة التقنية.
ولم يكن العالم على مدار تاريخي، مُعتمداً، مثلما هو الآن، على قدرة الطرفين على إدارة علاقاتهما في عدد من المجالات، التي تُصيب المرء بالدوار، بسبب كثرة عددها.
كانت دقة البيانات المُتعلقة بالاقتصاد الصيني، وهو الاقتصاد الذي ظل على مدى سنوات عديدة، المُحرك الأول للنمو الاقتصادي العالمي، بمثابة موضوع المُناقشة الرئيس لاجتماعات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، التي انعقدت في نيويورك الأسبوع الماضي.
تتمحور غالبية التحليلات الاستراتيجية التي تتناول الصين، حول قضيتين شديدتي الأهمية، وهي العلامات المُتنامية على هشاشة الاقتصاد الصيني، بعد عقود من النمو الاقتصادي، الذي لم تكن تقل أرقامه في أي سنة من السنين، عن عدد مكون من خانتين، والتهديدات المُتصاعدة من جانب الصين ضد تايوان. ومن الممكن الربط بين القضيتين.
وثمة شبه إجماع بين أصحاب هذه التحليلات، على أن مصدر الخطر الأكبر، يتمثل في ضعف الصين، وليس قوتها. ويتبنى هؤلاء هذا الرأي، استناداً إلى منطق مفاده أنه في حال تزايد المصاعب الاقتصادية في الصين، فقد يعمد الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى إذكاء المشاعر القومية في بلده، من خلال تصعيد المواجهات مع كلٍ من الولايات المتحدة وتايوان، باعتبارهما الهدفين الأكثر إغراءً في هذا السياق. وأما على الصعيد الاقتصادي، فكان الأمر الأكثر إثارة للقلق، بجانب أزمة الطاقة، المشكلة التي تواجهها شركة العقارات الصينية العملاقة «إيفر جراند»، والتي ترزح تحت ديون تبلغ قيمتها الإجمالية 300 مليار دولار.
وتثير كافة المخاوف السياسية والاقتصادية المذكورة أعلاه، شعوراً بالخطر حيال بداية حقبة يغلب عليها انعدام اليقين، وتفتقر إلى قواعد أو أنماط سلوكية راسخة، فلا الولايات المتحدة اعتادت تلك التحديات التي تعترض دورها العالمي، ولا الصين لديها خبرة في إدارة التوترات العالمية.
ومن الجدير بالتذكر في هذا السياق، أن العلاقات الأمريكية السوفييتية، كانت في أخطر مراحلها، خلال الفترة بين عامي 1945 و1962، أي الـ 17 عاماً التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرةً، حيث اجتاز الطرفان آنذاك، عدداً من الأزمات العالمية شديدة الخطورة، كانت ذروة خطورتها، في أزمة الصواريخ الكوبية «خليج الخنازير» عام 1962، قبل أن تتطور العلاقات بينهما، على نحو يمكن وصفه بالإيجابي، وتتخذ أشكالاً أكثر قابلية للتنبؤ. فهل تنجح واشنطن وبكين، في قيادة علاقتهما إلى نفس هذه المرحلة المقبولة؟ وكيف سيؤثر مدى نجاحهما بذلك في مستقبل العالم.
وكان جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، وكيرت كامبل كبير مُنسقي الشؤون الآسيوية لدى الإدارة الأمريكية الحالية، كانا قد أصدرا بحثاً في عام 2019، بعنوان «منافسة من دون كوارث»، خلصا فيه إلى أن النهج الأمريكي السليم في التعامل مع بكين، يتعين ألا يسعى إلى نهاية قطعية مماثلة لنهاية الحرب الباردة، وإنما إلى حالة مستقرة من التعايش القائم على الوعي، والمستند إلى المصالح والقيم الأمريكية.
* الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة «المجلس الأطلسي» الفكرية، ومقرها واشنطن.