أفغانستان.. الحدث والتداعيات.. بقلم: د. محمد عاكف جمال

أفغانستان.. الحدث والتداعيات.. بقلم: د. محمد عاكف جمال

تحليل وآراء

الأحد، ١٠ أكتوبر ٢٠٢١

وسائل الإعلام على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، لا تترك صغيرة وكبيرة تحدث في هذا المكان أو ذاك، دون تغطيتها، والتطرق لتداعياتها بإسهاب، فما بالك بحدث مدوٍ، يتعلق بانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، بعد 20 عاماً.
وكان قرار الرئيس الأمريكي بايدن، بالانسحاب من أفغانستان، وعودة حركة طالبان لسدة الحكم، الموضوع الرئيس على صفحات وسائل الإعلام، والأول تداولاً في أروقة صياغة الاستراتيجيات وصناعة القرارات لدى جميع حلفاء الولايات المتحدة، من دون أي استثناء، دولاً أو كيانات سياسية، فالثقة قد اهتزت بجدية ما تقدمه الولايات المتحدة من تعهدات والتزامات على مستوى حلفائها الأوروبيين، وشركائها في حلف الناتو، الذين اكتشفوا مدى ضعف استراتيجيتهم الدفاعية الذاتية، وباشروا بالتحرك دون حرج، لمقاربة ذلك بمعزل عن المظلة الأمريكية، فما بالك بكيانات صغيرة، ربطت مصائر شعوبها بهذا التحالف.
من المفارقات المثيرة، ما رافق الأزمة الأفغانية منذ قرار الانسحاب الأمريكي، حيث سيطرت حركة طالبان على الولايات الأفغانية، الواحدة تلو الأخرى، دون مقاومة تذكر من قبل الجيش الأفغاني، لتكون خاتمتها السيطرة على العاصمة كابول، بوقت قياسي، وسيطرتها على ترسانة الأسلحة الأمريكية، التي يقدر سعرها سياسيون من الحزب الجمهوري، بما يزيد على الثمانين مليار دولار. حققت طالبان هذه الانتصارات، بقوات لا يزيد تعدادها، حسب المصادر الأمريكية، على الخمسة والسبعين ألف مقاتل، لا تمتلك سوى أسلحة بسيطة، لا تقارن بما لدى الجيش الأفغاني، الذي بنته الولايات المتحدة، والذي يربو تعداده على الثلاثمئة ألف جندي، مزود بأسلحة تجعله يتفوق على بعض الجيوش التي تنتمي لحلف الناتو، وفق الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي بايدن، في السادس عشر من أغسطس الماضي.
تعرض الرئيس بايدن، في أجواء الفوضى التي سادت إثر الانسحاب، وسقوط جنود أمريكيين، وعدد كبير من المتعاونين الأفغان، قتلى، على بوابة مطار كابول، لأشد التقريعات قساوة، على الرغم من أن الذي اتخذ القرار، هي إدارة سلفه الجمهوري دونالد ترامب، التي بدأت الحوار مع حركة طالبان في وقت سابق، واتفقت معها عبر مندوبها زلماي خليل زاد، على الخطوط العامة لإنهاء وجودها العسكري، ولم تجد إدارة الرئيس بايدن أمامها، سوى خيار الاتفاق على تفاصيل التنفيذ لهذا القرار، فالتصعيد ضد الحركة، لم يعد خياراً أمريكياً، بعد الفشل في حسم أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها.
جاء قرار الانسحاب، بقناعة وإجماع أمريكي جمهوري ديمقراطي، لا يطاله أي شك، ولم يتخذ من غير التحسب، لما يتركه من تداعيات مباشرة على مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى مجمل الوضع السياسي في العالم، على المدى البعيد. فقد اتخذت واشنطن هذا القرار، رغم توقعها بانهيار الدولة الأفغانية، التي بنتها، إقراراً منها بالأمر الواقع، وهو الفشل الذريع، رغم كل الجهود التي بذلتها، والأموال التي وظفتها في بناء دولة على مقاساتها، متجاهلة طبيعة البنى الفكرية والمجتمعية السائدة. فالحرب في أفغانستان، لا يمكن كسبها، فقد فشلت أكثر من قوة عظمى في تحقيق ذلك، وقبول الانسحاب، رغم ما يصاحب ذلك من مشاعر الإحباط والخيبة، خيار لا بديل له. فالرئيس بايدن، أعلن صراحة، أنه لن يورث خلفه المسؤولية في أفغانستان، ولن يكرر الأخطاء السابقة، لأن الاستمرار في حرب أفغانستان، مَهمة لا نهاية لها.
آفاق التوقعات حول ما لهذا القرار من تداعيات مفتوحة على أوسع بواباتها، إلا أن معظمها لا تسمح بالاطمئنان على مستقبل أفغانستان، فحركة طالبان يبدو أنها غير قادرة على إحكام سيطرتها على البلد ذي الإثنية العرقية، والتركيبة السياسية المعقدة جداً، والتاريخ الشائك في غزارة الصراعات التي شهدها، والأخرى الكامنة التي تنتظر صواعق التفجير، ولا التفاؤل بتحسن أدائها على أرض الواقع، في ما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان، إذ من المستبعد أن تبدل هذه الحركة من ممارساتها، رغم بعض الأردية الجديدة التي كست بعض سلوكياتها التصالحية، لأنها تتمسك بقوة بأيديولوجيا من الصعب أن تسمح بذلك.
سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان «حدث»، حُسم في بضعة أيام، أما «التداعيات»، فربما لن تُحسم في سنين.
* كاتب عراقي