هل الانعزالية الأميركية هي الحل؟.. بقلم: دينا دخل الله

هل الانعزالية الأميركية هي الحل؟.. بقلم: دينا دخل الله

تحليل وآراء

الخميس، ٩ سبتمبر ٢٠٢١

يبدو أن الظروف التي تمر بها أميركا مؤخراً بسبب الانسحاب المثير للجدل من أفغانستان أدى إلى ظهور الأفكار الانعزالية من جديد. أفكار كان قد طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لكنه واجه انتقادات كثيرة بسببها وخصوصاً من الليبراليين الديمقراطيين، ويبدو أيضاً أن الكثير من الأميركيين وجدوا في هذا الفكر حلاً لمشاكلهم التي استمرت منذ بداية الحرب الباردة، لكن هل الفكر الانعزالي هو الحل لما تعاني منه الولايات المتحدة من تخبط على صعيد السياسة الخارجية؟
سؤال طرح في الصحف الأميركية خاصة بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس جو بايدن قبل نحو أسبوع لإعلان انتهاء الانسحاب الأميركي من أفغانستان، صحيفة «بوليتيكو» كتبت أن «في خطاب بايدن رسالة مخفية لأن الرئيس تحدث بلغة لم يستخدمها رئيس منذ بداية الحرب الباردة في خمسينيات القرن الماضي، لم يتحدث بايدن كالمعتاد عن دور أميركا ومسؤوليتها العالمية، بل ركز على الضريبة الكبيرة المادية والبشرية، التي تدفعها البلاد في محاولاتها لخلق الديمقراطية في العالم».
لعل أكثر ما يلفت الانتباه في الخطاب أن بايدن ظهر كأنه بدأ يؤمن باعتقاد يدور في الأروقة الإيديولوجية الأميركية وهو أن دور أميركا الدولي كان مبالغاً فيه، وأصبح هذا الاعتقاد يشكل تياراً قوياً في الداخل الأميركي منذ نحو عقد من الزمان، وهذا الاعتقاد كان واحداً من أهم الرسائل غير المرحب بها في حملة ترامب الانتخابية لعام 2016، وظهر هذا التيار جلياً عندما انتقدت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن لتورطها في حرب العراق في الانتخابات النصفية للكونغرس عام 2006، وظهر أيضاً عندما فاز باراك أوباما في الانتخابات التمهيدية بدلاً من هيلاري كلينتون التي صوتت مع الحرب على العراق 2003، وظهر في خطاب بايدن عندما قال: «علينا أن نخرج من أفغانستان وعلينا أن نتعلم من هذه المغامرة غير المحسوبة».
لكن مع هذا التوجه يطرح سؤال أكثر تعقيداً ماذا ستفعل أميركا بترسانتها العسكرية الهائلة المنتشرة حول العالم؟
قبل أن يقرر الرئيس الأميركي أو غيره إنهاء حروبهم وتدخلاتهم في العالم عليهم أولاً أن يقرروا ماذا سيفعلون بالآلة العسكرية الأميركية الهائلة والتي عادة ما يكون انتشارها في العالم مرتبطاً بالأمن القومي الأميركي، وربما يكون بايدن قد مهد الطريق لإعادة النظر في المصادر الهائلة التي تستخدمها أميركا بذريعة الأمن القومي.
تمتلك الولايات المتحدة ميزانية عسكرية تفوق 700 مليار دولار سنوياً بالإضافة إلى شبكة عقود عسكرية بمليارات الدولار ما جعل من أعضاء الكونغرس مجموعات ضغط (لوبيات) داخل الكونغرس لمصلحة معامل السلاح.
مع اقتراب الانتخابات النصفية للكونغرس والانتخابات الرئاسية لن تكون المناظرات المستقبلية عن أفغانستان وماذا حصل وكيف خرج الجيش بل ستكون عن حياة الجنود الأميركيين والمصادر التي استخدمت في الحرب، وبدأ أطراف من المحافظين والليبراليين يقفون ضد السياسات الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا. من الواضح أن هذا التوجه الذي يسود أميركا ليس له طابع إيديولوجي لأن فيه شخصيات من كلا الحزبين.
في النهاية صحيفة «بوليتيكو» كتبت: «أراد الرئيس جون كنيدي عام 1963 أن يصنع السلام وينهي الحرب الباردة، فبعد ثلاثة أرباع القرن ومغامرات فاشلة من فيتنام إلى العراق إلى أفغانستان هل خطاب بايدن اليوم وتأكيده أن أميركا لا تستطيع إعادة تصنيع العالم حسب أوهامها، قد يشكل حجر أساس لنقاش واسع حول القوة العسكرية الأميركية، نقاش تحتاج البلاد إليه مع أنه لم يحصل من قبل».