المرأة العاملة بين المهام الأسرية والهموم الوظيفية في قفص الاتهام.. بقلم: الأخصائية التربوية: خلود خضور

المرأة العاملة بين المهام الأسرية والهموم الوظيفية في قفص الاتهام.. بقلم: الأخصائية التربوية: خلود خضور

تحليل وآراء

الاثنين، ٦ سبتمبر ٢٠٢١

تقول مي زيادة:" نحرتموني نصائح وقتلتموني إرشادات، أحبابي! رأيكم لا أقبله لأنه يدل على قصر في النظر واعوجاج في الحكم"، في حين يقول لينين:" إن الأمة لا تكون حرة حيث هناك نصف عدد السكان مغلولون بأعمال المطبخ" فماذا تقول المرأة العاملة في أيامنا هذه؟ والتي نتيجة لمتغيرات العصر ومطالبه المتنوعة ساعد ذلك على خروجها من منزلها وانتقالها للعمل في المؤسسات والشركات العامة أو الخاصة ومشاركتها الفعلية في الإنتاج الاقتصادي وعملية بناء الوطن، ولكنها رغم دخولها ميدان العمل ظلت تتحمل مسؤولية منزلها وأطفالها وزوجها كاملة، وهو عمل المرأة الأساسي الذي لا يوجد من ينوب عنها فيه فإذا غابت عن المنزل يتخلخل نفسيّاً قبل أن يهتز اجتماعياً، الأمر الذي أدى لأن تتنازعها قيمتان أساسيتان تتمثل القيمة الأولى في موقفها من بيتها وأطفالها وزوجها وضرورة القيام بواجبها على أكمل وجه، وتتمثل القيمة الثانية في موقفها من عملها وضرورة تأديته على أكمل وجه لتكون عاملة على قدر من المسؤولية تقوم بالمهام المسندة إليها، وبين منزلها وعملها تتكاثر الهموم وتتراكم وتتجسد الصعوبات وعليها إثبات وجودها وجدارتها هنا وهناك فبين دافع الأمومة للبقاء إلى جانب أطفالها ترافق طفولتهم وتشرف على تربيتهم وتنشئتهم وترسيخ مكارم الأخلاق والقيم الفضلى والمثلى في نفوسهم وتنمية الشعور بالمسؤولية داخلهم، والسهر على راحة أفراد الأسرة بشكل يزيد من نشاطهم الاقتصادي وإنتاجيتهم، وإدارتها لشؤون المنزل من حيث نمط الاستهلاك العائلي( ترشيد الاستهلاك) ونمط الإنفاق في ميزانية الأسرة وغيرها من مهام متعددة، وبين دافع البحث عن الذات والخروج إلى العمل في ظل دعوات تحرر المرأة والمساواة وإتاحة فرص العلم لها كانت المشكلة الاجتماعية المتعلقة بعمل المرأة وتلك العوائق والصعوبات التي تعترضها كونها أمّاً وزوجة وربة منزل فعملية التوفيق بين الدافعين أو المهمتين( الأسرة والعمل) تخلق عندها أوضاعاً جديدة تضطر لترك طفلها وتغيبها عنه لفترة طويلة لتقوم بعملها خارج المنزل في الوقت الذي يكون فيه الطفل بأمسّ الحاجة إليها وأمام الاتهامات التي تتعرض لها في تنظيم عملها المنزلي بما يتفق مع عملها خارج المنزل في كونها قد ترفض أو تتردد حالياً في إنجاب مزيد من الأطفال وتقدم الكثيرات منهن على استخدام وسائل تحديد النسل أو تنظيمه أو تعهَد بمسؤولية تربية الأطفال إلى المربيات أو مدبرات المنزل أو قد تتركه لدى والدتها أو أقاربها أيّاً كانت الصلة أو الحضانة أو الروضة تبعاً لعمر الطفل، وما ساهمت به عمالة المرأة حسب وجهة نظر البعض في زيادة حجم انحراف الأحداث في الأسرة الحديثة والدور المتغير للأم الذي أدى إلى زيادة روح الاستقلال الذاتي للطفل ليصبح أكثر اعتماداً على نفسه، وأمام قداسة دورها ورسالتها التي لا تهون على أي شخص تحضر أمامنا اليوم استفسارات كثيرة لطالما تكررها الدراسات والأدبيات النظرية ما الذي دفع المرأة إذاً للخروج إلى العمل؟ هل خرجت بملء إرادتها تبحث عن دورها في المجتمع؟ هل خرجت تنشد مساعدة زوجها لتأمين المتطلبات الكثيرة التي يقذفها المجتمع كل يوم؟ هل بخروجها هذا ضحت بدورها كأم راعية في منزلها؟ أم يعد هذا امتداداً لدورها استكمالاً لواجبها في بناء المجتمع؟ هل تشعر بالذنب تجاه أطفالها الذين تركتهم في المنزل أو اضطرت لاصطحابهم معها أحياناً أم أن الدوافع التي أخرجتها تبرر ذلك؟ ما تأثير هذا الوضع على عملها؟ وكيف تنظر إلى زميلاتها غير المتزوجات باعتبارهن لا يحملن كل هذا الهم الذي تحمله الأم العاملة؟ وكيف ينظر المجتمع إلى هذا الصراع القائم داخل المرأة العاملة هل وقف موقف المتفرج منها أم ماذا؟ هل بدأ يتقاذفها باتهامات الإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية واللامبالاة تجاه منزلها وأطفالها وزوجها أم أوجد لها أسباب العذر تحت ثقل متطلبات الحياة؟ ثم ما موقف الزوج من عملها خارج المنزل؟ لاشك أن خروج المرأة للعمل وتغيبها عن منزلها وأسرتها وأطفالها فترة زمنية له آثاره على المرأة والأسرة والمجتمع سواء أكانت آثاراً إيجابية أم سلبية ويمكن تحديد تلك الآثار في التغير الحاصل في حجم الأسرة وفي العلاقات الزوجية وفي آثار عمل الأم على الأطفال وتنشئتهم.وبين مؤيد متفهم ومعارض لعمل المرأة وخروجها من المنزل هناك من يرى نوعاً من التشويه لصورتها والتسخيف لدورها الذي تلعبه مجتمعياً متجاهلين ذلك الدور الإيجابي الذي تقوم به في المساهمة بتنمية المجتمع وأن هذا إحدى سبل ممارسة العنف ضد المرأة وانتزاع حقوقها لاسيما في الواقع الحالي الذي قد تتعرض فيه للتحرش والابتزاز من بعض الزملاء في العمل، وكونه أيضاً تُستخدم المرأة في الإعلان والسلع وخدمات مختلفة لإبراز مفاتنها أو في بث الأغاني الحديثة مثلاً والملاحظ فيها الكثير من المشاهد الإغرائية والمرأة هي الشخص المستخدم لإبراز هذه المشاهد وكأن هذا عملها، والاهتمام المبالغ فيه ببعض المهن النسائية وترك الأخرى كالاهتمام بالفنانات والمبدعات والسياسيات دون الاهتمام بالأخرى، لذا أوصى البعض كما ورد في الأدبيات النظرية بضرورة تعديل الاتجاهات نحو التبني الإيجابي للقيم التي تدعم المفاهيم المرتبطة بقضايا المرأة وحقوقها الأساسية في العمل والتعليم والمشاركة في التنمية المجتمعية، والكف عن تقديم المرأة في وسائل الإعلام كوسيلة إغراء وتشهير أو كسلعة وإبراز الجوانب الإنسانية والحضارية للمرأة بالإضافة إلى تاريخها المميز وحاضرها ومستقبلها الواعد، وتناول المشكلات والظواهر السلبية ذات العلاقة بعمل المرأة وتحليل أسبابها وتقديم البدائل الإيجابية وتبني مفاهيم جديدة لمنع انحدار المرأة والنظرة إليها في الأعمال والمهن المختلفة التي تخوضها أو في الإعلانات التجارية ما يسيء إليها وإلى مستقبلها تحت ضغط المال والشهرة ومراعاة الهوية والعادات والتقاليد التي تحكم مجتمعنا وعدم الانجراف خلف تيارات العولمة الثقافية والاقتصادية عند الترويج لأي عمل أو شيء والأهم تغيير الصورة السلبية التي رسمتها البرامج والمسلسلات التلفزيونية في الذهن المجتمعي وذلك من خلال التركيز على دورها الإيجابي في الحياة والنهوض بوضعها وتعزيز مكانتها على مستوى الأسرة والمجتمع وقدرتها على الإسهام في عملية التنمية.
وفي ظل تعدد الآراء تجاه قضايا المرأة عموماً وعملها على وجه الخصوص يبقى العمل قبل كل شيء مسؤولية ويجب على المرأة أن تعرف وتدرك تماماً واجباتها وحقوقها وتحرر من تبعيتها لكل ما هو تابع للموروث الثقافي غير الصحيح وأيضاً لمظاهر حديثة زائفة ( السلوك الاستهلاكي غير الواعي، التقليد في اللباس والعادات و... غيرها) وأن تسعى لجعل العمل وسيلة لبناء شخصية متكاملة منتجة قادرة على تحديد مشاكل الحياة مع الحفاظ على كرامتها وزيادة تمسكها بالعائلة والمنزل والأولاد لتشارك في بناء المجتمع وموارده البشرية.