الاحتلال والحروب الجديدة.. بقلم: تحسين الحلبي

الاحتلال والحروب الجديدة.. بقلم: تحسين الحلبي

تحليل وآراء

الأحد، ٥ سبتمبر ٢٠٢١

يخطئ من يعتقد أن قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يضعوا في مقدمة جدول أعمالهم في الأسابيع التي تلت انتصار «سيف القدس» ووقف النار المذل الذي نتج عنه لهم، موضوعاً أساسياً وملحاً هو استغلال تلك الفترة للبحث عن أي وسائل حربية عدوانية أو غير حربية للتخلص من عبء جبهة قطاع غزة وصواريخها، أو تأجيل أخطارها لأكبر وقت ممكن يتيح لهم تحييد هذه الجبهة بأي وسيلة ممكنة.
وهذا في واقع الأمر ما يتضح من تحليل نشره في مجلة الأبحاث الإسرائيلية «إنتاج المعرفة» قبل ثلاثة أيام دان روغيل.
وروغيل هو أحد كبار المتخصصين العسكريين الإسرائيليين في صناعة وتطوير الأسلحة ويعمل في أكبر مؤسسات الكيان الإسرائيلي لتطوير وصناعة الأسلحة شركة «رفال»، وفاز مرتين بجائزة الجيش في تطوير السلاح وتخصص في الآونة الأخيرة بتطوير إمكانات حماية الجبهة الداخلية.
يرى روغيل أن «قطاع غزة تغلب على الجيش الإسرائيلي في تلك الحرب»، وجاء في تحليله بلغة واضحة: «أولاً لقد بدت غزة وكأن زلزالاً وقع لها بعد الهجوم الإسرائيلي، ومع ذلك لم نر أنها تأثرت بل استمرت بإطلاق الصواريخ والقذائف، وكأن شيئاً لم يحدث لها، وهذا يعني أن سلاح الجو لم يحقق أهدافه مثلما لم تحقق القبة الحديدية هدفها، بل إن كل هذه القوة استنفدت قدراتها من دون جدوى. ثانياً تبين أن القبة الحديدية ليس لها قيمة نسبية إلا حين تكون المجابهة صغيرة، أما إذا جرت مجابهة بحجم عشرة أضعاف ما جرى في أيار الماضي فإن القبة الحديدية لن تفيد لأن الصواريخ ذات الدقة بإصابة الأهداف والتي يملكها الأعداء ستدمر القبب الحديدية أولاً».
ويرى روغيل «أن أشكال الحرب تغيرت عما كانت عليه وستواصل تغيرها، فالحرب التي تواجهها إسرائيل الآن هي مجابهة الصواريخ والقذائف، والجيش لم يفعل شيئاً تجاه حرب كهذه، لا على مستوى التدريب وعقيدة القتال ولا في التجهيز لها، واعتمد فقط على القبة الحديدية، على حين أخفق سلاح الجو برغم تطوره وقدراته في الانتصار على هذا النوع من الحروب»، ويقدم روغيل «اقتراحين لحل هذه الإخفاقات العسكرية وخاصة إذا ما جرت حرب ضد جبهة الشمال التي تسلحت بصواريخ ذات دقة بإصابة الأهداف، الاقتراح الأول هو: بناء قوة كبيرة من عائلة الصواريخ ذات الدقة بالإصابة والتوجيه الدقيق، وهذا يعني تأسيس سلاح صواريخ بقدرات كبيرة وإقامة هيئة قيادية عسكرية تحدد الأهداف المطلوب ضربها حسب الأولويات.
والاقتراح الثاني هو تعزيز قدرة منظومة الدفاعات الجوية، وهذا يعني تزويد القبة الحديدية بمنظومة إضافية قادرة على إسقاط الصواريخ القادمة بوساطة أشعة لايزر فائقة القدرة وأقصد هنا متابعة موضوع العمل على النجاح المطلوب لمشروع «سكاي غارد» الخاص بأشعة لايزر والذي يعد في إسرائيل».
رغم كل هذا التحليل واستنتاجاته المذكورة، لم تستطع القدرة العسكرية التكنولوجية الأميركية حتى الآن من تطوير قدرة القبة الحديدية بإضافة أشعة لايزر فائقة القدرة، ولو تمكنت من ذلك لاستخدم جيش الاحتلال هذه المنظومة اللايزرية لزيادة قوة القبة الحديدية التي يتحدث عنها روغيل، أحد أهم مخترعي الأسلحة الإسرائيلية وتطويرها، لكن الواضح من كل هذا التحليل أن هذا الكيان الإسرائيلي ما زال يراهن على الاستمرار بالاعتماد على التفوق العسكري لحماية وجوده وتحقيق أهدافه أمام واقع يدل منذ سنوات كثيرة على أن حرب الصواريخ التي يتحدث عنها روغيل خفضت دور تفوق سلاح الجوي الإسرائيلي الذي عول عليه جيشها في مختلف حروبه وأشكال عدوانه من دون أن يحقق هدفه في ضرب إرادة أطراف محور المقاومة واستمرارهم في تطوير قدراتهم وخاصة في مجال الصواريخ من ثلاث جبهات قتالية تحيط بالكيان الإسرائيلي وتتحول إلى قوة تحبط أهدافه وتهدد استمرار بقائه، وهذا ما جعل روغيل يعترف بهزيمة جيش الاحتلال ويدفعه إلى اقتراح الحلول التي يتطلب إعدادها سنوات كثيرة في ظل تزايد قدرة هذا المحور واستمرار حدة مجابهته ضد هذا الكيان من الشمال ومن الجنوب ومن الوسط.
ومثلما يفكر روغيل بالحلول تمهيداً لمعاودة العدوان على قطاع غزة أثناء هذا الوقت المستقطع في ساحة الملعب، فمن الطبيعي أن تعد فصائل المقاومة في القطاع وأطراف محور المقاومة خططها وابتكاراتها لإحباط قدرة أي سلاح يوجه ضد شعوبها وتعمل دوماً على تطوير قدراتها الصاروخية.