كرت أحمر للبشرية.. بقلم: رشاد أبو داود

كرت أحمر للبشرية.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣١ أغسطس ٢٠٢١

حرائق، فيضانات، أوبئة، حروب، كلها في نفس الوقت وفي نفس المكان، إنه كوكب الأرض. كوكبنا وبيتنا في هذا الكون الذي لم يزل كثير منه غير معلوم لدينا نحن البشر.
هل هو ما يسميه البعض «جنون الأرض»، أم أنه «حكمة الطبيعة» التي تعالج نفسها مما فعله الإنسان بها من تشويه وأبخرة وغازات وإعدام للشجر في كل مكان؟
بعد الحرائق في جنوبها، الفيضانات غمرت شمال تركيا، زلزال قوي ضرب من جهة البحر الفلبين وإندونيسيا وتحذيرات من موجات تسونامي. جمعية الفلك في الكاريبي رصدت انفجاراً نجمياً في السماء جهة الجنوب يسمى «سوبر نوفا» وهو عبارة عن نجم قزم يدور حول نجم أحمر يتّحدان مع بعضهما مكونين انفجاراً عظيماً تستطيع ملاحظته على شكل سطوع مفاجئ في السماء.
حدث الانفجار قبل آلاف السنين ولم يصلنا الضوء منه لأنه يبعد عنّا حوالي 5200 سنة ضوئية.
العاصفة فريد ضربت المحيط الأطلسي ومرت على دول البحر الكاريبي قبل أن تضرب أمريكا في ولاية فلوريدا. الحرائق شبّت في اليونان وأشعلت ثوب أفروديت. لم يستطع زيوس ملك آلهة الإغريق الذي لقب بجامع السحب وصانع الرعد والسحب أن يخمد الحرائق و.. إيطاليا تسجل أعلى درجة حرارة في تاريخ أوروبا وصلت إلى 48.8° والدور قادم على إسبانيا.
موجة حر مستمرة على الدول المغاربية، وحرائق مدمرة في الجزائر تأكل الأخضر واليابس. حرائق في غابات عجلون بالأردن وكرمل فلسطين وجبال القدس وفي سوريا ولبنان، الذي كان آخرها حريق عكار وقبلها حريق مرفأ بيروت.
ما الذي يجري ؟ وأين ستحدث الحرائق والفيضانات التالية ؟ وكم إنساناً سيحترق أو يغرق؟
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس يقول إن تقرير مجموعة العمل رقم واحد، للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يعد بمثابة «إنذار أحمر للبشرية». مئتا عالم أعدوا التقرير اعتماداً على دراسات استغرقت 15 سنة.
وفيما تتصدر صور الفيضانات والحرائق عناوين الصحف في كل أنحاء العالم، أصدر خبراء المناخ في الأمم المتحدة توقعاتهم الجديدة. يقول الخبير الدولي في الكوارث الطبيعية وآثار تغير المناخ، بدوي رهبان، إن الوضع خطير إلى درجة أن من يولد في هذا العام على سبيل المثال، ستكون حياته مهددة بالخطر في عام 2050 بشكل أكبر بكثير من الناس الذين يعيشون الآن. ويضيف إن «الوضع قاتم للغاية». وإن العالم سيصل إلى ارتفاع في درجات الحرارة يصل إلى 1.5 مئوية فوق مستويات العصر الصناعي بحلول عام 2030 -2052 في حال استمرت معدلات الاحترار الحالية.
هذا الارتفاع في حرارة الكوكب ناتج بشكل أساسي من النشاط البشري، وإن هذا الارتفاع لا سابق له منذ آلاف السنين.
ويقول التقرير إن ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي أيضاً إلى فيضانات تهدد البشر في المناطق الساحلية، وضياع الصفائح الجليدية في غرينلاند وتأثرها في القطب الجنوبي وبتغييرات مناخية متطرفة تؤدي -بشكل شبه حتمي- إلى كوارث مثل الحرائق وموجات الحرارة الشديدة.
ذوبان الجليد سيتسبب بانبعاث كميات إضافية من غاز الميثان، الذي يعد أصلاً سبباً من أسباب الاحتباس الحراري، ما يعني أن احترار الجو بسبب النشاطات البشرية سيتفاقم، حتى لو توقفت تلك النشاطات.
وبشكل خاص، يلقي العلماء اللوم على اعتماد المجتمع الحديث على الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة، إذ يتسبب هذا الاعتماد بـتدفئة العالم بوتيرة لم يسبق لها مثيل «في الأعوام الألفين الماضية».
ويقول الخبير رهبان إن «الدول الصناعية تتحمل المسؤولية الأكبر في هذا الوضع بسبب نشاطاتها الباعثة للغازات الدفيئة»، وإن هذه الدول كان يفترض أن تتمكن من خفض انبعاثاتها من تلك الغازات بعد قمة باريس للمناخ عام 2015، لكن هذا لم يحصل. يضيف أن «الهند والصين مثلاً تستخدمان الوقود الأحفوري والفحم بشكل كبير أيضاً، ورغم أنهما اعترفتا بتأثير هذا الوقود على البيئة، لكنهما قالتا إنهما غير قادرتين على الاستغناء عنه».
«لوين رايحين؟». تساؤل يردده الإنسان في هذا الزمن الأعمى. فهو يرى الأرض ساحة تنافس، والفضاء مضمار سباق للأسلحة، يحارب أخاه الإنسان ليمنع عنه الهواء والماء، ولا يستطيع أن يمنع الطبيعة أن تشعل الحرائق وتفجر الفيضانات.
ليت الإنسان يدرك حجمه في هذا الكون ويتوقف عن التصرف وكأن الكون ملك خاص له، فهو وجد ليعمر لا ليدمر الأرض!!
* كاتب أردني