ارفع صوتك من أجل الحب.. بقلم: يوسف أبو لوز

ارفع صوتك من أجل الحب.. بقلم: يوسف أبو لوز

تحليل وآراء

الجمعة، ١٣ أغسطس ٢٠٢١

لا ننتبه عادة إلى الأصوات القادمة من الخارج وهي تلمس نوافذ بيوتنا برفق كما لو أنها تفعل ذلك على كثير من الحياء الذي نعرفه نحن البشر في وجوه البنات الصغيرات حين تسمع إحداهن كلمة إطراء عن جمال وجهها أو طول شعرها، فَيتَورّد وجهها خجلاً من هذا المديح، حتى لو كان عابراً.
على خجل تلمس الرياح في تشرين زجاج النافذة أو حديدها، أما لماذا تشرين، فلأنه شهر الشتاء، والمطر اسمه وفصله وتاريخه.
لا نرى الصوت، لكننا نحدده، ونعرف كينونة صاحبه أحياناً، والصوت هوية الكائن البشري، وبصمته الأيقونية الإعجازية تماماً مثل بصمة الإصبع، وبصمة العين، أما بصمة اللسان، فهي الكلمة المنطوقة أو تلك المكتوبة.
الصوت إشارة طمأنينة أيضاً، وبخاصة الصوت البشري أو الآدمي، وكاد الشاعر الأحيمر السعدي أن يطير من الفرح حين سمع صوت إنسان بعدما كان يسمع صوت ذئب، وحتى صوت الذئب، وبمجرّد أنه صوت كان مؤنساً للشاعر. انظر ماذا يقول:
 عوى الذئبُ فاستأنست بالذئب
 إذْ عوى وَصَوَّتَ إنسان فكدتُ أطيرُ
في الشتاءات؛ حيث الليل طويل، وبارد، ومعتم، يمتزج الخوف بالصوت. قطرات الماء تنقر زجاج النافذة، فيكبر الخوف داخل البيت، فهل يا تُرى أهذه نقرات المطر؟ أم نقرات لصّ، أو أياً كان في هذا الليل البارد؟ ومع كل ذلك ترافقنا الأصوات في كل مكان، وفي كل زمان، ومن الأصوات الرفيقة صوت الناي.
يُصنع الناي من أعواد القصب. تلك الآلة الموسيقية الشجرية النفخية، ودائماً، يستدعي الناي ما هو حزين وشَجيّ. إنه الصوت الذي يخرج من الناي وقد تحوّل إلى موسيقى من هواء الرئتين.
الإنسان قادر دائماً على تدوير الصوت موسيقياً من رئتيه حين ينفخ الهواء في القصبة السكرية الصفراء، وحين ينفخ الهواء أيضاً في القربة المزينة بالأحمر والأصفر والبرتقالي، كأنها ألوان الصوت.
من أكثر الأفعال دهاء للإنسان صناعته للمسدسات كاتمة الصوت، فالصوت فضيحة السلاح. إنه يكشف عن جرم ما، ويكشف عن حقيقة مادية قام بها إنسان ضد آخر، وهنا، يأتي الإنسان ليخفي الحقيقة. يخفي حقيقته، فيكمم سلاحه، ويكتم صوته، كي لا ينكشف أمره الجرمي.
في مقابل ذلك، احتفى الإنسان بالأصوات الجميلة حوله. في محيطه، وفي بيته، وفي بلاده. لقد أصغى إلى صوت المراكب في البحر، وأصغى إلى صوت القطارات، وصوت الطائرة التي تذكره بالسفر. تذكره بالثنائية الوجدانية: الإقلاع والهبوط، أو الاستقبال والوداع.
أصغى الإنسان إلى أصوات الغابة، والنهر، والينبوع والطير، والأشجار والرياح، فصنع منها موسيقى تعزف في أكثر من آلة: ثمة ما يخرج من رئتيه. ثمة ما يخرج من أصابعه. ثمة ما يخرج من عينيه، وذلك، حين يبكي عندما تبكي الكمنجة، وحين يبكي الناي.
كل كائن، وكل شيء له صوته. إنه هوية وهو إيقاع، فارفع صوتك من أجل الحب.. من أجل الحياة.