ما هي الخطط الأمريكية في أفغانستان؟

ما هي الخطط الأمريكية في أفغانستان؟

تحليل وآراء

الأربعاء، ١١ أغسطس ٢٠٢١

لماذا غادرت أمريكا أفغانستان؟ سؤال مهم شغل أذهان العديد من خبراء قضايا العالم الإسلامي وحتى عامة الناس. والإجابة على هذا السؤال تصبح أكثر أهمية عندما نلاحظ أن أمريكا استخدمت القوة الجوية لمهاجمة مواقع طالبان بالقرب من قندهار وهلمند وقندز وجوزجان وغيرها في خرق واضح آخر وخلافاً لمضمون اتفاق وقف إطلاق النار مع طالبان.

تزعم أمريكا أن هذه الهجمات تستهدف طالبان فقط ، ولكن بعد أن حلقت طائرات الـ ب 52 الأمريكية فوق سماء أفغانستان وألقت قنابلها على المناطق الريفية والمدن، فإن طالبان وغير طالبان ستستهدف في تلك المناطق. (تم تدمير مستشفى كبير يحمل اسم صافيان ومدرسة محمد أنور خان في هلمند في القصف الأمريكي حتى الآن.)

ووفق وعود بايدن والجنرال ماكنزي وغيرهما لأشرف غني، من المقرر أن تستمر الضربات الجوية الأمريكية أكثر من ذي قبل. لذا في ظل هذه الظروف، نحتاج إلى تحليل مناسب لماهية خطط أمريكا في أفغانستان وكيف يتم تنفيذها حتى نتمكن من لعب دور إيجابي نشط تجاه جارنا المضطهد وشعبه المظلوم والأعزل.

لماذا غادرت أمريكا أفغانستان؟

بالمناسبة لماذا وافقت أمريكا على مغادرة أفغانستان؟ ألا تدرك أمريكا أنه إذا تم وقف الدعم لحكومة كابول، من المرجح أن تسقط هذه الحكومة وستسيطر طالبان على أفغانستان مرة أخرى؟ هل كما يقول البعض أن هناك اتفاق سري بين طالبان وأمريكا؟

كل المؤشرات والأدلة  تشير الى أن حليف أمريكا هو الحكومة الحالية الموالية للغرب، وهي بالتأكيد أفضل بألف مرة لواشنطن وأكثر تنسيقاً من أي مجموعة أخرى في أفغانستان، ولا يوجد سبب منطقي يدفع الأمريكيين إلى تبديل الحليف.

إذا نظرنا إلى تفاصيل تحرك أمريكا في أفغانستان، سنجد أن المحاولة الأمريكية الفاشلة لتحقيق النصر والقضاء على أعدائها دفعت البلاد إلى التفاوض مع طالبان.

لم يكن سقوط حوالي 3000 قتيل و 21000 جريح وتكاليف بقيمة 2 تريليون دولار للحرب شيئًا يمكن لأمريكا تجاوزه بسهولة دون وجود أفق للنصر. بالإضافة الى ذلك يجب أيضاً الأخذ بعين الاعتبار الضغط الشديد للرأي العام الأمريكي نحو إنهاء الحرب. (حسب استطلاع للرأي، فإن 77٪ من الأمريكيين يوافقون على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان).

الهدف الكبير للأميركيين

تظهر الوثائق الاستراتيجية الأمريكية أن هذا البلد قلق للغاية بشأن القوة المتزايدة لمنافسيه الدوليين والإقليميين، وخاصة الصين، وفي السنوات الأخيرة كان ولا يزال إيجاد طريقة لضرب الصين وروسيا وإيران إحدى الاستراتيجيات الأمريكية الرئيسية والنهائية. ولتحقيق هذا الهدف، أي أداة أفضل من داعش المصطنع في أفغانستان؟ داعش الذي ينشط في شمال وشمال شرق أفغانستان، ويزعزع استقرار إقليم شينجيانغ المسلم أو تركستان الشرقية على الحدود الأفغانية، وتأجيج المحيط الأمني لروسيا من خلال زعزعة أمن طاجيكستان وأوزبكستان.

داعش الذي بحسب ضمير كابلوف (مساعد بوتين الخاص في شؤون أفغانستان) وماريا زاخاروفا (المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية)، تم إنشاؤه وتقويته في أفغانستان بدعم من الأمريكيين، وطالبان الوحيدة التي دخلت في صراع عسكري مع داعش، وكانت القوات الأمريكية أو الأفغانية تهاجم مواقع طالبان وتساعد داعش بشكل فعال.

واليوم، في قبضة طالبان العديد من أسرى داعش، مواطنون من فرنسا وإندونيسيا وتركيا وأوزبكستان وتركمانستان وغيرها، وليس من المعقول أن يتم نقل هؤلاء الأشخاص وتنظيمهم وتجهيزهم في أفغانستان دون مساعدة خارجية. لذا فإن الأمريكيين الذين أجبروا على الفرار من أفغانستان يحاولون اليوم تحويل هذه الهزيمة التاريخية إلى جسر لنصر طويل الأمد وحيوي لأنفسهم، ولتنفيذ هذا المشروع يحتاجون أولاً إلى عدد كبير من قوات طالبان (باعتبارها العنصر الرئيس والقوة العاملة ضد داعش وضد أمريكا في أفغانستان) للموت في الحروب الحالية، وثانيًا القضاء على العديد من القادة والأشخاص المقربين مما يسمى المجاهدين، وثالثًا مساعدة من قبل بعض القادة العسكريين والأمنيين في الدول الأعضاء في الناتو (مثل تركيا) في نقل قوات داعش إلى أفغانستان وإكمال الخطة الأمريكية .

وستوفر الفوضى الناجمة عن الحرب أيضا فرصة كافية للولايات المتحدة لنقل وتنظيم داعش. وإذا انضمت تركيا وأعضاء آخرين في الناتو الى مثل هذا المشروع بسبب أفكار القومية التركية واهتمامها بأن تصبح أكثر نشاطًا فيما يتعلق بآسيا الوسطى وتركستان الشرقية (شينجيانغ)، فإنها ستضر نفسها بلا شك ومكانة تركيا في المنطقة أكثر من السابق،  وبالتأكيد فإن الأمريكيين ليسوا مترددين في إضعاف تركيا على المدى الطويل وحاجتها إلى الولايات المتحدة، وباستخدامهم داعش، سيلحقون الضرر بكل دول المنطقة، بما في ذلك تركيا نفسها.

فكرة بايدن القديمة

في 23 و24 يونيو، بالتزامن مع وجود غني في أمريكا، استهدفت الطائرات الأمريكية المسيرة مواقع طالبان في قندوز وبغلان. كما تعهد بايدن بتقديم دعم عسكري أمريكي للجيش الأفغاني. وكرر الجنرال ماكنزي الوعد نفسه خلال زيارة إلى كابول في 12 يوليو، وفي النهاية، رأينا أن أمريكا أوفت بوعدها بتقديم الدعم الجوي للجيش الأفغاني وحكومة غني بعد اقتراب طالبان من قندهار ومدن أخرى.

لكن يجب البحث عن جذور هذا القرار في نوعية رؤية بايدن لأفغانستان. ففي أكتوبر 2020، قبل انتخاب بايدن رئيسًا للولايات المتحدة الامريكية، نشر مقال بقلم ريتشارد إي كلارك (مستشار الأمن القومي السابق للولايات المتحدة) على موقع ميدل ايست، والذي يحتوي على بعض النقاط المهمة جداً في هذا الصدد.

يقول كلارك في هذا المقال "كان من الأفضل لو لم تحتل الولايات المتحدة أفغانستان قط". وقال موضحاً ذلك، "عندما أصبح باراك أوباما رئيسا ، قام بزيادة عدد القوات الأمريكية من حوالي 30 ألف إلى أكثر من 100 ألف في محاولة لمعالجة مشكلة عدم كفاية القوات الأمريكية. واعتراضاً على ذلك، قال نائب الرئيس جو بايدن إن هذه الخطوة ستزيد خسائر الولايات المتحدة وعندما تعود القوات الأمريكية إلى مستويات أدنى ستستعيد طالبان أراضيها. اتضح أن بايدن كان على حق. كان بايدن يدافع عن طريقة تؤكد على القوة الجوية الأمريكية وكانت تنفذ بدعم من القوات الخاصة الأمريكية ، والتي تمركز بعضها في وحدات الجيش الأفغاني. في هذه الخطة، لن توفر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وحكومة كابول الأمن للمناطق الريفية، ولكنها ستمنع طالبان من التهديد بالسيطرة على مدينة كبيرة. أعتقد أن هذه كانت استراتيجية واقعية وكان من المفترض أن نتبعها في عام 2001 أو 2011 وهو ما اقترحه بايدن".

كما يكتب كلارك: "إذا طردت طالبان عسكريًا حلفائنا أمريكا الأفغان، الذين دعمناهم لمدة 20 عاما، من كابول والمدن الكبرى الأخرى، فستفقد الولايات المتحدة مصداقيتها العالمية أكثر من أي وقت مضى، وهذا سيؤدي الى مقتل العديد من الذين وعدناهم بدعمهم، ويخلق الظروف التي يمكن فيها للجماعات الإرهابية استخدام هذا البلد كقاعدة لمهاجمة أماكن أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة. إذا تم انتخاب بايدن، يجب العودة إلى خطت الأصلية لأفغانستان، والتي لا نقلق فيها بشأن أي فصيل يسيطر على الفراغ الشاسع في البلاد. فبموجب خطة بايدن في 2011، سنستمر في وجود قوات خاصة وقوات جوية".

نرى الآن أن الأمريكيين انتهجوا نفس السياسة بل إنهم يهاجمون مناطق سكنية في هرات لمنع طالبان من السيطرة على هذه المدينة. المدينة التي فيها بعض الأدلة (بما في ذلك خطب مجيب الرحمن الأنصاري) تشير إلى وجود نوع من الدعم الشعبي بعشرات الآلاف على الأقل لطالبان في هذه المدينة، ويمكن لطالبان تنظيم أنصارها من خلال دخول تلك المدينة. الوضع مشابه في لشكركاه وهلمند وغزني وميدان وردك وزرنج وشبرغان، وبالطبع فإن الغارات الجوية الأمريكية على طالبان في المناطق السكنية ستؤدي بدورها إلى انضمام المزيد من الناس إلى الحركة.

في الواقع، كان بايدن يعد لفكرة حول أفغانستان منذ أن كان عضوا في مجلس الشيوخ. فكرة تستند إلى حقيقة أن الوجود البري الأمريكي على الأراضي الأفغانية يتسبب في المزيد من الخسائر الأمريكية، والطريقة الصحيحة للولايات المتحدة تقديم الدعم الجوي للجيش الأفغاني لحماية المدن الكبيرة فقط.

من جهة أخرى، أدى التنافس بين الشخصيات السياسية الأمريكية للخروج من المستنقع الأفغاني بأسرع وقت ممكن، والتكاليف الباهظة وخسائر الحرب، إلى قيام ترامب بالتفاوض مع طالبان وتحديد موعد لانسحاب القوات الأمريكية. وبعد ذلك، عندما حل بايدن محل ترامب، رأى أن موقف إدارة ترامب بشأن أفغانستان يميل إلى فكرته الأساسية عن أفغانستان، ويقوم بتنفيذها بذكاء.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للولايات المتحدة في ظل هذه الظروف أن تزعزع محيط الصين وروسيا من خلال ايجاد وتوسيع داعش، وهذا يتماشى مع السياسة الأمريكية الكلية الجديدة المتمثلة في الباسيفيكية (احتواء الصين والاهتمام بالمحيط الهادئ) حيث يمكن تحليل زيارة حمد الله محب إلى لندن ومحاولة إقناع بريطانيا بدعم حكومة غني، وكذلك الجهود الأمريكية لإبقاء قوات احدى دول الناتو في مطار كابول (بقاء تركيا في مطار كابول)في هذا السياق.

إذا نجحت أمريكا في تنفيذ مثل هذه الخطة في أفغانستان، فيمكنها على المدى الطويل بعد إضعاف طالبان وشخصيات المجاهدين وانهاك الشعب، وإنهاء مهمة داعش في أفغانستان، إنشاء فريق موال للغرب الذين دربتهم الولايات المتحدة في أفغانستان دون وجود منافس حقيقي والسيطرة على مصير هذا البلد لفترة طويلة. فلم تستثمر الولايات المتحدة ما يقرب من 45 مليون دولار في مشروع فولبرايت لتدريب جيل جديد من المديرين التنفيذيين الأفغان الموالين للغرب، ولديها بالتأكيد خطط طويلة الأمد لهم.

بالطبع، كانت السنة الإلهية ولا تزال أن تتعرض الإمبراطوريات العظيمة في أفغانستان للإذلال وتخرج مهزومة، وبعون الله، لن تؤتي هذه النفقات والخطط الشريرة ثمارها أيضاً.

إريك برنس، مؤسس شركة بلاك ووتر سيئة السمعة والإجرامية قال، إن "الجيش الأغلى والأكثر قوة في تاريخ البشرية قد هُزِم على يد ثلة من الرعاة" كما قال عبد الرشيد دوستم بعد أن اشتكى من أن الولايات المتحدة قد تركت أصدقائها وحدهم في أفغانستان "ماذا سيقول الجنرالات الأمريكيون لأبنائهم وأحفادهم؟ سيقولون أنهم هزموا من قبل حفنة من راكبي الدراجات النارية!؟" وهذه هي الحقيقة التي لا ينبغي أن تخفى في ثنايا الأخبار والتحليلات العديدة.

لقد هزم المنطق الدنيوي الأمريكي وعدم فهم الروح المعادية للاستعمار لدى الشعب الأفغاني وسيؤدي الى هزيمته إن شاء الله. وكما قال قائد الثورة الاسلامية في 19 يوليو: "ان سوء الفهم هذا أدى إلى إذلال أمريكا في أفغانستان، وان تشعر نفسها في المستنقع وتخرج قوتها العسكرية ومعداتها منه بعد دخولها الصاخب قبل عشرين عاما، وبعد استخدام الأسلحة والقنابل والنيران ضد المدنيين العزل. بالطبع، يجب على الشعب الأفغاني المستيقظ أن ينتبه من أدوات الاستخبارات الأمريكية والأسلحة الناعمة في بلده وأن يقف يقظًا بوجهها".