ماركيز والشيخوخة.. بقلم: حسن مدن

ماركيز والشيخوخة.. بقلم: حسن مدن

تحليل وآراء

الجمعة، ٦ أغسطس ٢٠٢١

ليس جابرييل ماركيز هو الوحيد الذي تناول الشيخوخة في أدبه، لكنه يعدّ النموذج الأفضل لمقاربة الموضوع. وهنا تحضر واحدة من رواياته الأخيرة، أو لعلها الأخيرة «ذاكرة غانياتي الحزينات»، وهي كما يعلم من اطلع عليها، رواية قصيرة لا يتجاوز عدد صفحاتها مئة وعشرين صفحة.
قارب ماركيز الموضوع من زاوية علاقة الشيخوخة بالحب، أو فلنقل: الحب في الشيخوخة، حتى إن هذه الرواية تبدأ بالجملة التالية: «في العام الذي بلغتُ فيه التسعين، أردت أن أعطي نفسي هدية ليلة حب عاصف».
لم يُخف ماركيز أنه تأثر في كتابته ل«ذاكرة غانياتي الحزينات» برواية «الجميلات النائمات» للكاتب الياباني كاواباتا، الحائز، هو الآخر، مثل ماركيز، جائزة «نوبل» للآداب، حتى إن ماركيز قال مرة إن الرواية الوحيدة التي تمنى لو أنه كان كاتبها هي هذه الرواية بالذات، التي تتناول أيضاً الشيخوخة من منظور الحب.
ليست «ذاكرة غانياتي الحزينات» هي رواية ماركيز الوحيدة عن الموضوع، فهناك روايته الشهيرة «الحب في زمن الكوليرا» التي أنجزها بعد نيله «نوبل» للآداب، لكن فكرتها في ذهنه تعود إلى ما قبل ذلك، حتى إنه كتب يومها الفصل الأول منها، وهي تحكي قصة حب بين امرأة ورجل بدأت وهما شابان لكنها لم تكتمل، حين أخذت الحياة كلاً منهما إلى مسار مختلف عن الآخر، لكنهما يلتقيان ثانية في الشيخوخة ليكملا قصة الحب الذي انقطع، أو توارى بالأحرى.
حين سئل ماركيز عما إذا كان قد قرأ دراسات علمية أو روايات حول الشيخوخة، قبل أن يشرع في كتابة «الحب في زمن الكوليرا»، أجاب بأنه قرأ كتاب سيمون دو بوفوار «الشيخوخة»، ومع أنه أشار إلى أنه كتاب «جيد مملوء بالإحصاءات والتأملات العميقة»، وحوى  فيما حوى  فصلاً عن الحياة العاطفية للمسنين، لكنه يفضل حين يكتب أن يدع الحرية للتكهنات حول سرّ الشيخوخة لخياله الشخصي، حتى إنه يظن أن بعض المسنين لو قرأوا الرواية سيقولون: «الشيخوخة ليست هكذا»، لكن هذا لا يُقلقه، فليس مهماً أن تكون الشيخوخة في كتابه مطابقة للواقع.
وفي استدراك مهم يضيف أنه اطلع على فقرات من دراسة حول الشيخوخة في أدبه لباحث كولومبي، رأى فيها أن الكاتب درس الموضوع جيداً قبل كتابته الرواية، لكن ماركيز يرى أنه فيما لو وجدت مطابقة بين الرواية والواقع، فإن ذلك عائد إلى حدسه لا إلى دراسته، خاصة أن عمره عند كتابة الرواية لم يكن قد تجاوز الخامسة والأربعين؛ أي أنه لم يعش الشيخوخة بعد، كي يرصد ما أحدثته في نفسه من تغيّرات.