موسم «المفاجآت» الأميركية.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

موسم «المفاجآت» الأميركية.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الاثنين، ٥ يوليو ٢٠٢١

قبيل يومين من التئام أكبر تجمع غربي – إقليمي في روما يوم الإثنين 28 من شهر حزيران الماضي، في إطار بات يمثل تقليداً سنوياً عند واشنطن، إن لم يكن نصف سنوي إذا ما استدعت الضرورة ذلك، منذ أن سعت إلى تأسيس «التحالف الدولي» لمحاربة «تنظيم الدولة الإسلامية» العام 2014، والذي غالباً ما كانت ردهاته، وكذا كواليسه، تشهد «همساً» هو أبعد ما يكون عن البوح الذي نسمع ببعض ترانيمه، حتى ولو كان المعلن يمثل جزءاً من الحوارات فعلاً، لكن غالباً ما يشغل هذا الأخير حيزاً هو الأقل أهمية وخصوصاً ما بعد الإعلان عن هزيمة التنظيم في الباغوز آذار من العام 2019، فالإعلان كان يمثل من الناحية السياسية قراءة أميركية مفادها أن «المارد» قد أعيد إلى «القمقم»، بمعنى أن فعل «الاحتواء» قد أنجز بعدما نجحت الآلة العسكرية في تحطيم قدرات التنظيم التي من بينها التخطيط، والتنفيذ، والتمويل، تلك التي كانت تمكنه من شن هجمات يمكن لها أن تهدد مصالح الحلفاء المحليين من دون مصالح الغرب، الذي سبق وأن أعلن التنظيم أنه لا يسعى إلى استهدافها في افتراق واضح مع نهج تنظيم القاعدة، وما تبقى من قدرات مشتتة هي التي دفعت بهذا الأخير نحو تبني إستراتيجية «الذئاب المنفردة» التي تعني القيام بعمليات متفرقة وفردية، كانت النظرة الأميركية لها أنها قد تكون مفيدة، بل ومن الممكن الاستثمار فيها لإقلاق الخصوم ولبعثرة الأوراق حيناً، ثم لممارسة فعل الابتزاز في أحايين أخرى.
قبيل يومين من ذلك الاجتماع تبلّغ المدعوون (مجموعة G7 – المجموعة المصغرة – الاتحاد الأوروبي إلى جانب كل من تركيا وقطر) بدعوة إيرلندا والنرويج، المسؤولتين عن ملف الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية في خطوة شكلت نصف «مفاجأة» أميركية، قياساً إلى كونها تحمل مرامي واضحة المعالم هذه المرة، بدرجة أكبر مما كانت عليه في الأشهر الخمسة الماضية التي هي عمر إدارة الرئيس جو بايدن في السلطة حتى الآن، حيث كان من الملاحظ على أداء تلك الإدارة أنه يذهب إلى «نصف إفصاح» عما يدور في خلد «صانع» القرار حول شتى المسائل، وفي الذروة منها الأزمة السورية، من دون أن نعني أن هذا الأخير بات كمن يريد فرش أوراقه على «بساط أحمدي»، أو هو قرر اللعب بها على «المكشوف».
تقول التقارير الصادرة عن العديد من الوكالات الدولية إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن كان قد أثار مع نظرائه الـ15، حيث ترأس اجتماعهم في روما موضوع «التطبيع» العربي مع دمشق، والذي يمكن له أن يكون مقدمة لمسار نظير مع الأوروبيين، وفي الغضون كان قد قال إن بلاده لا تمانع في انطلاق عربة ذلك المسار، لكنه أضاف، وفق تلك التقارير، إنه، أي التطبيع يجب ألا يكون «مجانياً»، والمصطلح هنا فضفاض، بل يحتاج إلى مقاييس عدة لتحديد «وسع الأكمام» و«عرض الياقة»، والسلسلة هنا تطول مما لم تشر إليه تلك التقارير، وكذلك قال إنه يفضل التريث في انطلاق العربة لحين استكشاف النيات الروسية التي ستتضح يوم 11 تموز الجاري الذي سيشهد التصويت على تمديد القرار 2533 القاضي بإدخال المساعدات الإنسانية عبر معابر لا تقع تحت سيطرة الحكومة السورية، ومن المؤكد هنا أن واشنطن باتت تولي هذا الأمر اهتمامها الأكبر باعتباره الوسيلة، التي باتت لربما تراها وحيدة، للتأثير في مسار التسوية السورية، وهو ما يعزز فكرة وجود نيات أميركية لسحب قواتها من مناطق شرق الفرات، وإذا ما كان لنا أن نخمن المرامي التي ذهب إليها بلينكن من وراء توصيفه آنف الذكر المتضمن التأكيد على «لا مجانية» عودة دمشق إلى محيطها الطبيعي الذي كانت على الدوام محوره الراسم لطبيعة الحركة فيه، يمكن القول إن «اللامجانية» هنا تعني وجوب الحصول على تنازلات من دمشق ذات طابع جيوبولتيكي إقليمي، الأمر الذي يمكن لمسه أيضاً عند المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية غير بيدرسون الذي بات يظهر في أدائه مؤخراً تثقيل الملف السياسي الراسم لتموضعات دمشق في المنطقة على حساب الملف التقني القانوني الذي يجب أن يحظى بأولوية لا تسبقها أولوية أخرى، مما يطرح إشارات استفهام حول مهمة بيدرسون التي باتت أميل إلى تفعيل الرؤيا الأميركية ومحاولة فرضها على باقي أطراف الصراع، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى إطالة أمد هذا الأخير لأن عملية الفرض تبدو «عرجاء» ومن المستحيل أن تستوي مشيتها قياساً إلى موازين القوى القائمة، وإلى مصالح كبرى لن تستكين بسهولة، ناهيك عن أن المعوق الأكبر لها هو أنها لا تتساوق مع الدور التاريخي الذي لعبته دمشق على مر المراحل القديمة منها والحديثة.
نحن إذا على أعتاب يوم مهم، وهو سيحدد وإلى درجة بعيدة مسار الأزمة السورية على مدى عام واحد على الأقل، وما نقصده هنا جلسة مجلس الأمن التي ستشهد يوم الأحد المقبل التصويت على تمديد القرار 2533، وفي التقديرات لما يمكن أن تشهده تلك الجلسة يمكن القول إن المدة الفاصلة بين مؤتمر روما و11 تموز الجاري ستحفل بتفعيل المزيد من القنوات لإيجاد صيغة مناسبة تتيح الخلاص من هذا «المأزق» الذي بات أشبه بـ«حقل ألغام» وضعته واشنطن في مسار الكشاف الروسي، ثم زودته بخريطة تضمن له سيراً آمناً وسط ذلك الحقل الذي ما إن خرج منه سيقابله نظير آخر لا خريطة له.
قد لا تعرف السياسة التي تمارسها الدول الكبرى مواقف نهائية، وخصوصاً إذا ما كانت حسابات الربح والخسارة تميل إلى صالح كفة الأولى، وأيضاً إذا ما أفضت الجولة 16 من أستانا التي ستعقد هذا الأسبوع إلى صفر نتائج، عندها لربما تعيد موسكو النظر في رزمة الإشارات التي تراكمت مؤخراً فتذهب نحو القبول بصيغة معدلة من نوع إيصال المساعدات عبر خطوط التماس، أو تقصير مدة التمديد لتكون بحدود ثلاثة، أو ستة أشهر، إذا ما أبدت واشنطن استعداداً جدياً لحلحلة ملف شرق الفرات في مقابل تأجيل ملف إدلب، ومن المرجح أن يكون لفعلٍ كهذا مصلحة سورية في سياق تجزئة الأزمة، أو اجتراح الحلول لتفكيكها، أما في سياق الحل النهائي فمن المؤكد أن دمشق لن تساوم، ولن يكون هناك تفضيل لذرة تراب من الرقة أو الحسكة – مثلاً – على نظيرة لها في إدلب أو ريف حلب.