سحب العصيّ لا كسر العجلات...؟.. بقلم: سامر يحيى

سحب العصيّ لا كسر العجلات...؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٤ يونيو ٢٠٢١

باختصار عرّف "بيير برديو" رأس المال الاجتماعي، بأنّه الثقة المتبادلة بين أعضاء المجتمع، ورصيدها بينهم وبين مؤسسات الدولة المختلة، وكلّما ازداد تزداد أواصر المجتمع قوّة وترابطاً وحضارةً، والعكس انهيار وتدمير المجتمع...أما رأس المال الاقتصادي، فهو رصيد الدولة من الأموال والاحتياطات النقدية والذهبية وغيرها... وتدنّيه يضعف الدولة اقتصادياً ولكنّه بالتأكيد لن يؤدي إلى انهيارها....
أمّا في المثل الدارج فيقال "بيتٌ من رجال ولا بيتٌ من مال"، فهل قرأ أو تمعّن المسؤول أو صانع القرار هذه العبارات، وغيرها الكثير، ليأخذها بالحسبان في اتخاذ قراره، وتأثيراته السلبية والإيجابية من كافّة النواحي دون استثناء توقّع أو فرضية ما ..... وهل تجاهل أن الاستثمار الأمثل للموارد المادية والبشرية هو الوسيلة الأكثر نجاعةٌ وفائدةً لتحقيق عائدٍ قومي، يزيدنا قوّة اقتصادية، وبنفس الوقت يعزّز العمل الجماعي والأمن المجتمعي، والانتماء الوطني لدى المقيم والمغترب بآنٍ معاً، وعدم السماح بإعطاء ذريعةٍ لأعدائنا ليستغلوها وتشويه صورة الوطن ونجاحاته، ألم يحن الوقت للتنبّه إلى أنّ الاعتماد على نظريات وقرارات وتطبيق أفكار وعبارات منعزلةٍ عن الواقع فعلاً، ليست سوى تأجيلٍ للمشكلات ومراكمةٌ للأخطاء بتنوّعها، وزيادةٌ في النفقات، واستمرار بتأخير العملية الإصلاحية أنّى كانت النتائج النظرية معسولة... أليس الصائب أن النجاح في ظل عصر التكنولوجيا لم يعد خطّة خمسية وخطة عشرية بل خطة آنية ضمن إطار رؤيةٍ مدروسة طويلة الأمد، تدرس كافّة المخاطر والإيجابيات والسلبيات والتحديّات والاحتياجات الحقيقية، وهل يتجاهل أن الهيكل التنظيمي والوظيفي هو الأساس الذي يحدّد مهام ودور كلّ مؤسسة انطلاقاً من المهام الملقاة على كاهلها، والنتائج المتوخّاة منها، ولا يمكن أن يتطابق مع مؤسسةٍ أخرى إلا بشكلٍ بسيطٍ جداً، وبالتالي الانطلاق الحقيقي للهيكل التنظيمي والتوصيف الوظيفي من الفعل القائم على الأرض فعلاً، لا استبعاد الكفاءات وأصحاب الفكر، لصالح أشخاصٍ تضع أرقامٍ خلّبية وهمية انطلاقاً من رؤيتهم الشخصانية الفردية تدّعي الوطنية والمصداقية وبجزءٍ كبيرٍ منها بعيدةٌ كل البعد عن الواقع، وهذا ما يكشفه لنا من يطّلع على الأرقام والاستبيانات التي أطلقت لتبرير التصرّفات الشخصانية لا التشخيص الحقيقي، ولا يمكن اعتبار ما يحصل ضمن المرونة الوظيفية التي هي نتيجة تشخيص منطقي وتطوّرٌ طبيعي في أداء المؤسسة ودورها والمهام المنوطة بها، ولا حتى الرشاقة المؤسساتية التي من المفترض أن تأتي من سرعةٍ باتخاذ القرار بحكمة وحنكة، وتلقائياً سنجد تعديلاتً في الهياكل التنظيمية والتوصيف الوظيفي، الذي للأسف باتت شمّاعة لتعطيل عملية الإنتاج، عدا عن أنّ كل من يقدّم رأياً أو فكرة ضمن مؤسسته يتم استبعاده تحت حجج بأنّه يضع العصي بالعجلات وأنّه ضدّ مسيرة الإصلاح، ويجب أن يعاقب، رغم أنّه هو الأقدر على إبداء الرؤى والأفكار، فهل تجاهل القائمون على العمل أنّ دورهم ليس كسر العصيّ ولا تحطيم العجلات، بل سحب العصي من العجلات بهدوءٍ لضمان سير حركة المركّبة بشكلٍ متميّز، وهل يعقل أن نلغي الاستثناءات لتأتي على شكلٍ قانوني تساهم بشكلٍ فاعل في تجاهل الخبرات والكفاءات والإمكانيات، والاستناد لتقييم شخصاني مصلحي وامتحانٌ أكاديمي صمٌ متلاعبٌ به، وما يستتبع ذلك من انعدام الانتماء المؤسساتي، واللهاث وراء المصالح الذاتية، على حساب الأمن الوظيفي والمصلحة العامة والوطن.
من حقّ الطبيب والعامل والتاجر والموظّف وكلٌ شخصٍ أن يحقّق متطلباته الشخصية، ولكن لا نحمّلهم وزر بحثهم عن مصالحهم الشخصانية، بل تتحمّل ذلك المؤسسة الوطنية التي لم تنجح في استقطاب أبنائها وتفعيل دورهم لصالح أبناء الوطن ككل، وبالتالي تحقيق مصالح الجميع، وهي الطريقة الوحيدة لتحدّي الحصار والحرب المتعددّة الأشكال على وطننا.
لم يكن يوماً تشخيص المسألة يبدأ بنسف الواقع والبدء من جديد، كما يروّج البعض لتحقيق النجاح الحقيقي، إنّما هي مسألة متكاملة، فالشجرة علينا الاعتناء بها بدايةً من الجذور، وصولاً للأوراق وتأمين الغذاء والدواء المناسب لها من أجل أن تعطي ثماراً أنضج، وفائدة أكبر، فكيف بمؤسساتٍ  هي سرّ صمود الوطن وتعزيز الانتماء بين أبنائه، والثقة بين المواطن ومؤسساته، فهل يعقل أنّ مسؤولاً يدّعي الوطنية وفي نفس الوقت لديه المبررات لتقصيره، وغير قادرٍ على تحقيق التوازن بين مصلحة الوطن والمجتمع، وبنفس الوقت مصلحة الأشخاص أنّى كانت تسميتهم ودورهم.
علينا ألا ننظر للكأس الملآن ولا الفارغ، بل أن نبحث ونشخّص كيفية امتلاء الكأس الملآن وكيف فرغ النصف الفارغ، وما هي السبل الأنجع لملء الكأس بالحجم المناسب.
إن تقوية الاقتصاد تحتاج لتقوية أبناء المجتمع بالدرجة الأولى بما ينعكس على الاقتصاد، ومن ثم ستجد المؤسسات الوطنية لا سيّما الضريبية والإنتاجية مئات الأبواب أكثر نجاعة ومردوداً لصالح الوطن ككل، من فرض ضرائب عشوائية قد تكون محقّة ولكن طريقة استخدامها والترويج لها أظهرتها كأنّها ضد الوطن والمواطن، وساهمت بإيجاد ثغراتٍ للنصب والاحتيال وتشويه سمعة.
عند الإيمان بالوطن، لا يحتاج المسؤول في أي مؤسسة أو معملٍ أو أيّة تسمية أكثر من ثلاثين يوماً لفهم طبيعة عمله، وثلاثين أخرى لتشخيص المشكلة واقتراح العلاج بالتعاون والتعاضد، وثلاثين أخرى لوضع السكّة في إطارها الصحيح لتبدأ مسيرة حصد النتائج بعد مائة يومٍ بالحد الأدنى، ومن ثم نرى تعاظم تلك النتائج مع استمرار تقدّمه بالعمل، لا أن نسوّف أنّ النتائج تحتاج وقتاً وزمناً، لأنّها تعني في عصر التكنولوجيا تلاعبٌ بالكلمات وتلبية ما عجز عنه أعداء الوطن....ورغم كل ذلك "سورية الله حاميها" وبالتفافٍ من الشعب حول قائده، ستخرج منتصرة وستنهض أقوى، لأنّها ولادة ولديها رجالٌ وطنيون مخلصون في كلّ مفاصل العمل الوطني دون استثناء، ومهما طالت كبوة الحصان سينهض أقوى وأقوى.