الموسيقى.. أبوّة وصداقة ومحبة.. بقلم: يوسف أبو لوز

الموسيقى.. أبوّة وصداقة ومحبة.. بقلم: يوسف أبو لوز

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٢ يونيو ٢٠٢١

ربما كان من قبيل الصدفة الجميلة أن يتوافق عيد الأب العالمي مع اليوم العالمي للموسيقى الذي صادف أمس (21 يونيو/ حزيران من كل عام)، فثمة ما هو أبوي وحتى أمومي في الموسيقى، اللغة الكونية المكتوبة بأبجدية واحدة، لكي يتوحد جميع بشر الأرض في فهمها والانفعال بها، ليس فقط الانفعال الصوتي، بل والانفعال الجسدي أيضاً، والروحي، والعقلي والعاطفي.
عموماً، لسنا كعرب شعب ثقافة موسيقى، على الرغم من أننا، وبامتياز، شعب ثقافة الشعر الذي يقوم أساساً على موسيقى الوزن العروضي الخليلي، ومع ذلك أيضاً ما من مفكر ومثقف موسيقي علمي في العالم وضع كتاباً متخصصاً في هذا الفن مثل الفارابي في سِفْره العالمي الذي أصبح مرجعاً لكل موسيقي «كتاب الموسيقى الكبير». وفي إحدى طبعات هذا الكتاب الكنزي كتب د. محمود أحمد الحفني مقدّمة جاء فيها عن الفارابي «كان شديد الذكاء قويّ الحجة يجيد لغات عدة غير العربية، عالماً رياضياً فيلسوفاً كاملاً، بلغ من شهرته أنه كان يُلَقّب بأرسطو الثاني، فكان بحق أعظم فلاسفة المسلمين شأناً، وفوق ذلك فهو أعظم العلماء النظريين في صناعة الموسيقى وقيل إنه كان في صغره يضرب بالعود ويغنّي، فلما التحى وجهه قال: كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يُستظرف، فَنَزَعَ عن ذلك وأقبل على كتب المنطق والفلسفة».
غير أن الفارابي الفيلسوف وعالم المنطق هو من وضع كتاباً في الموسيقى، والموسيقى قبل الغناء، وهي ليست مجرّد أصوات وسلّم وأعواد وأوتار وآلات نحاسية طبلية أو قرعية، بل الموسيقى إلى جانب كل ذلك علم وفكر وفلسفة ومنطق، وبعض المرضى يبرأ بها.
في أكتوبر 1981 حَمَلَ كتاب «دعوة إلى الموسيقى» الذي اَلّفه د. يوسف السيسي الرقم 46 في سلسلة «عالم المعرفة» التي انطلقت في الكويت عام 1978 بإشراف أحمد مشاري العدواني (1923-1990)، وتصدر السلسلة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت حتى الآن، وتحضرني هذه المعلومات، بل أرى أن من الأهمية بمكان ذكرها في مناسبة اليوم العالمي للموسيقى نظراً لأهمية هذا الكتاب الذي صدر قبل 30 عاماً، وبالتالي، من المنطقي أن يقترح أحدهم إعادة طباعة هذا الكتاب، والتأشير على ضرورة قراءته ونحن لسنا شعب ثقافة موسيقى، بل لدينا العقول الموسيقية التي تعرف جيداً في هذا الفن الإنساني العالمي مثل د. يوسف السيسي وغيره من نخب الموسيقى في الوطن العربي نحو تكوين مكتبة متخصصة في هذا الفن الجمالي، الروحي، البلاغي، وفي الوقت نفسه الموسيقى فن الحياة، والعمل، والأخلاق.
في مقدمته لكتابه «دعوة إلى الموسيقى» يكتب د. السيسي: «كانت الموسيقى أنهاراً تروي الأرض والناس، ودماء تدفع الحياة في قلوب البشر، وسرّاً يحكم الروح. كانت وحياً يرتفع بالإنسان ويجعل منه حكمة وعبقرية ووحدة. هي نبض الوجود وإيقاع الأمل».
وفي الأب أيضاً، شيء من طبيعة الموسيقى التي «ترددها الطبيعة والتاريخ والأساطير والعقائد والأديان».