صفعة لـ«الماكرونية».. بقلم: يونس السيد

صفعة لـ«الماكرونية».. بقلم: يونس السيد

تحليل وآراء

الاثنين، ١٤ يونيو ٢٠٢١

أثارت محاكمة المتهم بصفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته لمنطقة دروم جنوب شرقي البلاد مؤخراً، جدلاً في الأوساط السياسية، باعتبارها صفعة تتجاوز ماكرون إلى «الماكرونية»، وتمثل تعدياً على الديمقراطية وبادرة خطرة تمس النظام الفرنسي بأكمله.
منشأ الجدل يدور حول الحكم المخفف الذي صدر بحق داميان تاريل، الذي جرت محاكمته وفق نظام «المثول الفوري»، بهدف تسريع إجراءات المحاكمة، لا سيما في حالات الجنح المتلبس بها، وبالتالي فقد تم إصدار الحكم عليه بالسجن 18 شهراً، منها 14 شهراً مع وقف التنفيذ؛ أي سجنه فعلياً أربعة اشهر، ومن دون غرامة مالية، خلافاً لما حدث في حالات سابقة مشابهة فرضت فيها عقوبة السجن ثلاثة أعوام وغرامة مالية قدرها 45 ألف يورو. وهو حكم يتساوق تماماً مع ما طرحه ماكرون منذ البداية، بأن الحادث كان «عملاً معزولاً» في محاولة لحصر تداعياته ودلالاته لقطع الطريق على الانتقادات التي قد تطال النهج السياسي لعهد ماكرون، والذي يطلق عليه اسم «الماكرونية» قبل نحو عشرة أشهر من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية المقبلة. 
وبغض النظر عما إذا كان تاريل مرتبطاً باليمين المتطرف، أو بمجموعات صغيرة أخرى، يمينية أو يسارية، كما تشير بعض الدلائل، فإن الصرخة التي أطلقها عند توجيهه الصفعة لماكرون (وهي صرخة الحرب الخاصة بالقوات الملكية الفرنسية تحت حكم سلالة الكابيتيين في العصور الوسطى، وهتافه ب«سقوط الماكرونية»، بينما كان زميله آرثر سي، يقوم بتصويره)، وحدها كافية للتعبير عن حالة احتجاجية كامنة وربما متفاعلة في مختلف أنحاء فرنسا. فالمحققون أكدوا أن الشابين لم يكونا معروفين لدى الشرطة، لكن التحقيق كشف وجود أسلحة ونسخة من كتاب «كفاحي» في منزل آرثر سي، الذي سيمثل أمام المحكمة في النصف الثاني من العام المقبل بتهمة حيازة أسلحة غير مشروعة، بينما كشفت بعض وسائل الإعلام أن تاريل لديه صلات قوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بنشطاء مجموعات متطرفة، خصوصاً في أوساط اليمين المتطرف وبعضها يؤمن بتفوق «العرق الأبيض». 
ومع أن تاريل اعترف بمعظم هذه الصلات، فإنه نفى أن يكون لديه أي ارتباط عضوي أو تنظيمي بهذه الجهات، ومع ذلك فقد أكد أمام القضاء أنه غير نادم على ما فعله، لكنه فعل ذلك بشكل عفوي، ووصف ماكرون بأنه «رمز لركود الدولة»، معتبراً أنه لم ينتخب من قبل المجتمع الفرنسي بأكمله، كما اتهم الحكومة وماكرون بعدم الإصغاء لمطالب الشعب وخاصة حركة «السترات الصفراء»، واعترف تاريل في نهاية المطاف، بأنه قبل عدة أيام من الواقعة المدوية، كان يدرس إمكانية رشق ماكرون بالبيض أو رمي كعكة في وجهه.
في ظل هذه الوقائع لا يمكن التسليم بأن الحادثة كانت «عملاً معزولاً»، وإن اعتبرت كذلك حتى لا تمس «الماكرونية» التي باتت تواجه منافسة قوية مع اليمين المتطرف، فهي تحمل بصمات الدعوة إلى «التغيير» وهو ما يدعو إلى الترقب والحذر.