في مواجهة التحديات.. بقلم: علي قباجة

في مواجهة التحديات.. بقلم: علي قباجة

تحليل وآراء

الأحد، ٦ يونيو ٢٠٢١

تأججت فصول العنصرية في الولايات المتحدة مجدداً؛ إذ عملت على تقسيم المجتمع وتشظيه، في ظل تراخي سلطات إنفاذ القانون عن وضع حد لها إن لم تكن شريكة فيها. فأمريكا لها إرث تاريخي مثقل بالمآسي فيما يخص الفصل العنصري واضطهاد غير البيض. فالسود والآسيويون واللاتينيون يعانون الأمرين ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية والثالثة؛ بل إن ثمة مشاريع قوانين تسعى إلى تحجيمهم وتقليص تأثيرهم إلى مدى بعيد، وآخرها شروع بعض الولايات بتقييد حق السود في الاقتراع، في تحرك وصفه جو بايدن - الساعي إلى ردم الهوة الاجتماعية- بالانتهاك «غير المسبوق».
الرئيس الديمقراطي، يحاول الرجوع في الماضي لإيجاد حلول للتهديد الاستراتيجي لبلاده، فقد أصبح بايدن أول رئيس أمريكي في السلطة يزور موقع مذبحة قتل فيها بعض من «الغوغائيين البيض» 300 أمريكي أسود في مدينة تولسا بأوكلاهوما عام 1921؛ حيث أحيا ذكراها بعدما كانت طي النسيان ردحاً طويلاً من الزمن، كما حاول في خطاب ألقاه أمام جمع من الناس، فيه بعض الناجين من المذبحة، استرضاء هذه الفئة المضطهدة، قائلاً: إن إرث العنف العنصري وسيادة البيض لا يزال يتردد صداه، في حين وعد بمعالجة آثاره، مبيناً أن إدارته ستكشف قريباً عن تدابير لمواجهة جرائم الكراهية وعنف «دعاة سيادة العرق الأبيض»، الذي خلصت أجهزة المخابرات إلى أنه «أخطر تهديد للوطن».
بايدن أرجع تفاقم الأوضاع إلى فترة حكم سلفه دونالد ترامب، بعدما حمّله مسؤولية صعود «الإرهاب الداخلي»، وانتعاش الحركات المتطرفة في البلاد، التي عملت على تنفيذ عدة اعتداءات على الأقليات، وهاجمت «الديمقراطية الأمريكية» عندما نفذت زحفاً على مبنى «الكابيتول» في 6 يناير/ كانون الثاني الماضي، خلال إعلان فوزه رسمياً، بينما صعد لهجته ضد الجمهوريين في الولايات التي يسيطرون على مجالسها التشريعية، والتي تعمل على انتهاك حقوق السود الأساسية، كالحق في الانتخاب.
وعلى الرغم من توقيع بايدن على أوامر تنفيذية؛ لمواجهة التمييز؛ وإنهاء عدم المساواة العرقية في الولايات المتحدة؛ وإلغاء العديد من قرارات سلفه، فإن البلاد بحاجة إلى وقت طويل للتعافي في حال بدأت الحكومة تنفيذ مقاربات البيت الأبيض؛ حيث إن السنتين الأخيرتين كانتا كفيلتين بإشعال الفتيل، ما دفع الأمريكيين من أصول إفريقية إلى المطالبة بإنهاء التمييز ضدهم، للمحافظة على المكاسب التي سجّلت في خمسينات وستينات القرن الماضي بفعل حركة الحقوق المدنية؛ إذ إن السود الذين يمثلون نحو 13% من السكان يعانون التهميش ويشعرون بمرارته، كما تعاني هذه الأقلية نسب فقر فلكية، في حين أنها غير ممثلة بشكل منصف على المستوى السياسي.
الإدارة الأمريكية الجديدة أمام تحديات جمة، فهي إن لم تضع حلولاً خلاقة وناجعة تنتشل المجتمع من هذه الحالة المستعصية، فإن الأوضاع قابلة للانفجار، قد لا يحمد عقباها على المدى البعيد على مستوى تماسك البلاد، كما تهدد هيبة الولايات المتحدة التي لطالما أعلنت عن حروب لتحرير المجتمعات الأخرى، ونشر ما سمته الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة.