أغنياء وفقراء.. معركة أبدية.. بقلم: عاصم عبدالخالق

أغنياء وفقراء.. معركة أبدية.. بقلم: عاصم عبدالخالق

تحليل وآراء

الأحد، ١٦ مايو ٢٠٢١

قضت سنة الله وحكمته أن يكون هناك دائماً أغنياء وفقراء. ومنذ أن عرف الإنسان الملكية الخاصة وتضخمت في داخلة غريزة الاقتناء والاستحواذ بدأ الصراع على الموارد. لا يعرف أحد على وجه اليقين تاريخ بداية هذا الصراع الموغل في القدم، لكن الكل يعرف تماماً أنه لن ينتهي.
 كانت تلك مرحلة مهمة في تطور البشرية بعد أن ودعت إلى الأبد عصر شيوع الملكية عندما كانت الأرض بخيراتها ومواردها ملكاً للجميع، فلم يكن الإنسان الأول في حاجة إلى الاستئثار بشيء لنفسه، فما يسد رمقه يكفي ويزيد.
وإلى أن تقوم الساعة لن يتوقف الإنسان عن السعي لامتلاك المزيد من الثروة ليبقى السؤال الخالد: لماذا ينجح البعض ويفشل آخرون؟ أو لماذا يتحول بعض الناس إلى أثرياء ويتخبط غيرهم في ظلمات الفقر؟ ووفقاً للإحصاءات الدولية يقبع نحو 600 مليون إنسان حالياً تحت خط الفقر أي 8% من تعداد العالم. وعلى الرغم من ضخامة هذا العدد، فإنه أقل مما كان عليه في 1990؛ حيث سجل البنك الدولي وقتها عدد الفقراء، أي الذين لا يتجاوز دخل الفرد منهم دولارين يومياً، بنحو 1,9 مليار نسمة.
 قبل التطرق إلى الأسباب التي يحددها الاقتصاديون نشير أولاً إلى أن للسياسيين اجتهاداتهم لتفسير الظاهرة وهي تختلف وفقاً لتوجهاتهم. على سبيل المثال يتحدث المحافظون الأمريكيون عمّا يسمونه بثقافة الفقر؛ حيث يحملون الفقراء أنفسهم مسؤولية البؤس الذي يعانونه، وهو من وجهة نظرهم نتيجة مباشرة لاختياراتهم الخاطئة وسلوكهم المعيب. ولديهم تعبير شائع هو «متوالية النجاح» وهي تبدأ باستكمال التعليم الأساسي، ثم الحصول على عمل، فالزواج ثم الإنجاب. ومن يسير على هذا الطريق يضمن النجاح. أما من يفشل في ذلك فمصيره الفقر المحتم.
 على الجانب الآخر يرفض الليبراليون هذا التفسير القاسي ويرون أن الظروف المحيطة بالإنسان هي التي تلعب دوراً أساسياً في نجاحه أو فشله وفي ثرائه أو فقره. ويعتبرون أن المحافظين يجانبهم الصواب عندما يتجاهلون عوامل جوهرية محبطة مثل التمييز على أساس العرق أو الجنس أو العقيدة وهي مكبلات للطاقات البشرية.
الخبراء الاقتصاديون من جانبهم لديهم تفسيرات أكثر موضوعية ويمكن إجمالها في 11 سبباً أولها عدم المساواة في الفرص وتهميش فئات بعينها. السبب الثاني هو الصراعات المسلحة التي تدمر موارد الدولة وتتسبب بهجرة أعداد من مواطنيها وفقد قدرتهم على الكسب. يتعلق السبب الثالث بتدهور صحة الأطفال وهو ما يؤثر في قدراتهم عند البلوغ. وتشير الدراسات إلى أن الأطفال الذي يعانون ضعف النمو يقل دخلهم عن أقرانهم الطبيعيين بنسبة 22% عند البلوغ.
سبب رابع هو تراجع الوضع الصحي العام في أي دولة، ما يؤدي إلى تفشي الأمراض واستنزاف طاقات مواطنيها ومواردهم. أيضاً مشكلة نقص المياه النظيفة التي يعانيها نحو ملياري إنسان في العالم. سادس الأسباب هو التغييرات المناخية التي تؤدي إلى موجات من الجفاف أو الفيضانات وفي الحالتين تبور الأراضي الزراعية. ويمثل تدهور مستوى التعليم السبب السابع للفقر وتشير إحصائية لمنظمة اليونسكو إلى أن 171 مليون إنسان يمكنهم تجاوز عتبة الفقر إذا أكملوا تعلميهم الأساسي على الأقل.
 السبب الثامن هو ضعف الخدمات العامة والبنية التحتية مما يعرقل التنمية ويقلص قدرة السكان على الكسب. والتاسع، ضآلة المساندة الحكومية وهي سبب جوهري لفقر السكان الذين هم في أمسّ الحاجة لتهيئة ظروف وفرص عمل. السبب العاشر هو قلة الوظائف المتاحة في أي مجتمع ما يعني انتشار البطالة والحرمان من الدخل المادي المنتظم والكافي. وأخيراً عدم وجود احتياطات مالية كافية في الدولة وبالتالي عجزها عن تنفيذ مشروعات ترفع مستوى معيشة ودخل مواطنيها.
 تعددت الأسباب والفقر واحد.. إنها معركة الإنسانية المقدسة لاقتلاع جذور الحرمان والمعاناة، وقد تربح جولة وتخسر جولات لكنها ستظل حرباً بلا نهاية.