سوء في التوزيع.. بقلم: سامر يحيى

سوء في التوزيع.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١١ مايو ٢٠٢١

سُئِلَ جورج برنارد شو، لماذا رأسك أصلع وذقنك كثيفة الشعر، فقال، غزارةٌ في الإنتاج وسوءٌ في التوزيع.
 يعتبر البعض أنّ المثقّف أو الذي يبدي رأيه بموضوعٍ ما، يسيء للمؤسسات الوطنية ويتجاهل نجاحاتها، التي بالتأكيد غالباً ما تكون نجاحات روتينية نتيجة سير الحياة الطبيعية، ولذا لا بدّ ممّن يقرأ ـ لا سيّما أصحاب القرار ـ أن يُحسن الظنّ بمن يكتب ما دام ينقل وجهة نظره انطلاقاً من واقعٍ معاش، ويقترح حلولاً من وجهة نظره، لأنّها ستكون مفيدة عندما تتقاطع مع قواعد البيانات والأفكار والرؤى والأهداف المحددة لدى تلك المؤسسة، لتستكمل بالتغذية الراجعة لدى هذا المثقّف أو المفكّر أو الباحث، للانطلاق من الحاجة والواقع، لتصبّ في مصلحة الوطن ككل، فكلٌ له رأي وفكرة، والفكرة تولّد الفكرة، فكيف إذا كانت نابعة من فكرٍ وطنيٍ بعيدٍ عن التنظير والأكاديمية الصمّاء، الذي سيضمن تفوّق ونجاح سير عمل المؤسسات وحسن إدارة موارد البلد، لأنّ دائرة صناعة القرار عندما تستمع لأفكار الآخرين يجب أن تولّد لديها فكرة قابلة للتطبيق على أرض الواقع، مستنداً لما يملك من معطيات، وما توفّرت لديه من معلومات وأفكارٍ ورؤى، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى:
دائماً نستمع من المسؤولين أنّهم قد أنجزوا الكثير من المهام، رغم ظروف الحرب والإرهاب والحصار وقلّة الموارد أو انعدامها، متجاهلين أنّ وجودهم في سدّة المسؤولية هو للتصدّي لهذه التحديّات ودفع العملية الإنتاجية واستثمار الموارد والإمكانيات المتاحة، فهل يعقل أن يشكو مدير مؤسسةٍ أو قسمٍ من قلّة الكوادر البشرية، وهو أو غيره يشكو من أنّ العامل لا يعمل أكثر من ربع المهام الموكلة إليه، أو أنّه لا توجد كوادر كفؤة وكافية، أو أن العاملين يقضون وقتهم في الثرثرة والكلام وبث الشائعات والتنبؤات السلبية، متجاهلاً أنّ دوره التأهيل ومواكبة التطوّرات للوصول للأداء الأمثل، وهل تجاهل أنّ المنطق يقول بأن العامل يجب أن يكتسب كلّ يومٍ خبرةً عملية وعلمية، وأنّ العمل الروتيني ـ ولا نقول المجهد ـ من التاسعة صباحاً للثانية ظهراً قادرٌ على فعل المعجزات بإتقانٍ وجودةٍ بقليل من حسن استثمار الوقت وتوزيع المهام، فما يدّعيه هذا المدير أو ذاك هو حجّة عليه لا له، ودليلٌ على فشله في استثمار الموارد المتاحة المادية والبشرية، لأنّ المدير دوره إدارة المؤسسة بما يؤدي لإعداد جيلٍ مؤهل ومدرّب ومنتج وثقة ويختصر الوقت والجهد والمال، وليس مجرّد عاملٍ يبحث عن الحصول على مبلغٍ ماليٍ لا يكفيه لسدّ رمقه أو قوت يومه.
أما المصطلحات الحديثة التي باتت في الكثير من النواحي، جزءاً رئيساً في مضاعفة النفقات، ولم تؤدّ الهدف المنشود منها عملياً، وإن كانت بعض نتائجها إيجابية من وجهة نظرٍ معيّنة... فالإصلاح الإداري، التنمية البشرية، التحوّل الرقمي، إصلاح القطّاع العام... وغيرها لا تنجح من خلال الأمنيات والأحلام والوعود، التي لا تبتعد عن كون شخصٍ نائماً في فراشه ويحلم بأحلامٍ وردية، لكنّه بعد الاستيقاظ يسير بشكلٍ روتيني وفق الحدّ الأدنى المعتاد عليه... فهل قبل اطلاق أي مشروعٍ أو النداء بمصطلح قد درسناه بدقّة واحترافية، لكي نختصر وقت التطبيق على أرض الواقع وتفادي السلبيات والثغرات التي قد تظهر على التطبيق، وهل الوقت المناسب إلا اللحظة التي نحن فيها الآن، وأنّ البدء اليوم قبل الغد هو الذي يعمل على توفير الوقت والجهد والمال واستثمار الموارد، لا العكس، فكل تأخيرٍ ولو ليومٍ هو تعطيل وتبديد فكل يومٍ هناك مفاجآت وتطوّرات تحتاج مواكبةٍ ومتابعة وتوقّع لتفادي السلبيات واستغلال الفرص، لأنّ أي شعارٍ نرفعه قبل أن ندرسه على أرض الواقع، وندرس احتياجات تطبيقه وطرقها والموارد الأولية المادية والبشرية والامكانيات المتاحة، وحتى التقنيات الحديثة المتوفّرة، لإعادة توزيعها بشكلٍ سليم يساهم بالنهوض بالعمل المؤسساتي، وتلقائياً تتوفّر لنا الاحتياجات الحقيقية وتطبيق الشعارات بأكثر إنتاجية ممكنة، فهل من المعقول أن تطلب مؤسسة تقديم أبحاثٍ تطبيقية خلال فترةٍ قصيرة جداً، ضمن عناوين بعيدة عن الواقع، وشعارات تنظيرية يوجد ما هو أهمّ منها للنهوض بالعمل المؤسساتي، أمّ مجرّد تبريرٍ أنّنا قمنا بأبحاثٍ وبالنهاية سيكون مكانها الأدراج، لأنّ الأبحاث العملية التطبيقية النابعة من واقع المؤسسة هو الذي نحتاجه، أما التنظير والأبحاث النظرية، فكفيل بالتصدي لها من الخبراء والباحثين وطلبة الجامعات، لنتكّمن من مواكبة الأبحاث والدراسات مع الوقائع والمعطيات والإمكانيات المتاحة التي تحقّق معاً الهدف المنشود فعلياً... فمن الطبيعي أنّ الإنسان عندما يصحو من النوم يغسّل وجهه ويديه ويرتشف فنجان قهوته ويرتدي ملابسه للانطلاق للعمل، لا أن يصحو من نومه وينطلق للعمل ومن ثم يغسل وجهه ويديه ويرتشف فنجان قهوته ويرتدي ملابسه.
 ومن التناقضات التي نسمعها لدى بعض المدراء، أنّه يخشى من تسريب معلومات من كوادره، فيضعهم بجزءٍ من المعلومة فقط، بغضّ النظر عن خصوصيات العمل وأسراره الرئيسة، ولكن بالتأكيد عندما لا توجد ثقة بالعامل لدى المؤسسة بأن يحصل على معلومةٍ ضرورية لإتقان عمله وإنجازه بوقتٍ أسرع، فإنّه لن تكون لديه الثقة لأداء العمل الموكل إليه أصلاً، وهل بعد كلّ ما مررنا به، والخسائر والنجاحات، ما زلنا لم نتعلّم الدروس ونبدأ كأنّنا أول مرّة نلتقي مع كوادرنا، وننسى أنّ علينا أن نبدأ بالعمل على أرض الواقع.
لنبدأ وكفانا تأخيراً، وكفانا محاضراتٍ أكاديمية تلقيناها على مقاعد الدراسة، ومن المنابر الإعلامية بشتّى أشكالها وانتشارها وتوزّعها، وفي جلساتنا التي باتت مكرّرة حتى أنّ كلّ منا بات يعرف ما سيتكلّم فلانٌ من أفكارٍ وآراء ونقاشٍ. فنحن بأمس الحاجة دوماً لمنع التأجيل، والانتقال بشكلٍ فعليٍ من مرحلة التخطيط والتوجيه والتشخيص التي نستمر بها... إلى مرحلة المتابعة والتنفيذ والتغذية الراجعة وحصد النتائج، التي تؤدي لمواكبة التطوّرات ومواجهة التحدّيات، ودفع العملية الإنتاجية.