الهند تختنق وتتنفس.. بقلم: مفتاح شعيب

الهند تختنق وتتنفس.. بقلم: مفتاح شعيب

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٨ أبريل ٢٠٢١

ما فعله «كورونا» بالهند في أيام قليلة يستحق التدبر؛ إذ تسارع الوباء واتسع مع ارتفاع الإصابات إلى أرقام قياسية لم تسجل على الإطلاق في أي بلد منذ بدء الجائحة. وعلى الرغم من أن هناك أملاً بتجاوز هذا الوضع الصعب، فإن الصورة المرسومة شديدة القتامة، وتنبئ بوضع يزداد قسوة، في ظل انتشار العدوى «كالنار في الهشيم»، وعجز المستشفيات والطواقم الطبية عن استيعاب المأساة.
 إزاء ما يحدث في ذلك البلد القاري والملياري من السكان، هناك استنفار دولي مزدوج، عبّرت عنه المسارعة بتقديم المساعدات الطبية والتقنية؛ لتطويق الوباء، إضافة إلى قرار معظم الدول تعليق رحلات الطيران؛ للحيلولة دون انتقال الطفرة الهندية المتحورة إلى خارج حدودها؛ فتسهم في تدهور الوضع الصحي العالمي، بعدما بدأ يتعافى مع تنامي حملات التطعيم في أغلب الدول.
 وتثير المشاهد المحزنة للفوضى في المستشفيات، وبكاء وتوسل بعض المصابين للحصول على جرعة أوكسجين في الشوارع، وصور حرق الجثث في مناطق واسعة من البلاد، مخاوف مشروعة من خطر انفجار وبائي، وظهور سلالات متحورة قادرة على مقاومة اللقاحات، خصوصاً وأن هذا الكابوس لا يغيب عن الأذهان منذ أن بدأ كشف السلالات البريطانية والبرازيلية والجنوب إفريقية. ويخشى المختصون أن تكون الطفرة الهندية، التي يجري الحديث عنها، عنيدة، وتتحدى التطعيمات المعتمدة. ومجرد التفكير في هذه الفرضية مأساة إضافية؛ فالبشرية، التي تنوء منذ 14 شهراً تحت وطأة هذا الوباء، لن تستطيع تحمل المزيد من الأعباء والخسائر والأوضاع المعقدة.
 مسارعة دول العالم إلى التعاطف مع الهند، وإرسال المساعدات الطبية؛ لتخفيف العبء على المستشفيات المكتظة؛ سيسهم في السيطرة على الوضع المتدهور، وإنقاذ الأرواح، ويلبي بعضاً من التضامن الإنساني المطلوب أكثر من أي وقت مضى؛ فالهند تمر بتجربة مريرة، ووضع قاسٍ على جميع الصعد. ومع ذلك وجب استخلاص العبر والدروس من هذه المحنة الصحية. 
 ومما لا شك فيه أن هناك أخطاء فادحة، وخروقاً غير مبررة ارتكبها الهنود حتى وقعوا في هذه الكارثة. وما حدث في هذا البلد؛ يؤكد أن الاستهانة بالقواعد الصحية تحت أي ذريعة أو مناسبة؛ ستؤدي إلى عواقب وخيمة، وليس هنا أشد قسوة من وفيات الناس بالآلاف يومياً، والحكومة عاجزة والعالم في حيرة وذهول. وعلى الرغم من أن الوباء قد حفر ندوباً لا تمحى من الذاكرة البشرية لقرون، فإن ما يحدث في الهند واحداً من أسوأ الفصول، وأشدها إيلاماً في القلب والضمير، فمن يموتون ويعانون بشر وقع عليهم بلاء عظيم، ووجبت مساعدتهم؛ من أجل أن تقف المأساة عند هذا الحد.
 ستتراجع موجة «كورونا» في الهند وتتنفس، وسيخضع الوضع للسيطرة. ولكن ما لا يجب تجاهله أو نسيانه أن وباء كورونا غدار ولعين، ولن يكون الخلاص منه دفعة واحدة؛ بل على التدريج مع الحرص على التطعيمات المعتمدة والبروتوكولات الصحية المطلوبة؛ للوقاية في كل بلد، حتى يتجنب الجميع رؤية مشاهد مؤلمة من السيناريو الهندي.