دراما الواقع أم الخيال؟.. بقلم: د.باسمة يونس

دراما الواقع أم الخيال؟.. بقلم: د.باسمة يونس

تحليل وآراء

السبت، ١٧ أبريل ٢٠٢١

السؤال الذي يطرح نفسه دائماً عندما يتعلق الأمر بتحليل موجة الدراما التي تعصف بالشاشات، عن أهمية ما يقدم للناس من أجل مواجهة عواصف التغيير التي تهب على مختلف المجتمعات. وتتفرع من ذلك أسئلة أخرى كثيرة: ما هو دور مخيلة المبدع في مواجهة هذا التغيير؟ وما الذي يمكن استنتاجه من الكثير من الأعمال التي تناولت الانتصار على المشكلات في مضامينها، لكنها خيالية وغير واقعية ولا تمس الواقع مباشرة؟ فهل أسهمت في تطوير فكر المجتمع وساعدته على مواجهة التغيير أو فهمه، أم أنها ستبقى مجرد مجموعة أفكار للترفيه ولا يمكن تطبيقها عملياً على مشاكله الحقيقية؟ وهل وظيفة المبدع في الأصل مساعدة المجتمع على امتصاص صدمات التغيير بأعماله الفكرية والابداعية، أو إبعاده عنها بالخيال أو الكوميديا كمعالجة إيحائية من نوع آخر؟
وما هي المعايير التي ستبقي المبدع مبدعاً في وجه المتغيرات التي قد تتطلب منه التقليل من دور خياله للمحافظة على الخيط بينه وبين المجتمع الباحث عن حلول واقعية؟،وهل يكفي المجتمع أن يتلقى نصائح بالتمسك بالقيم والمحاربة لأجلها، أو أن يستجيب لأحلام هؤلاء المبدعين التي قد لا ترشدهم نحو كيفية المحافظة عليها، بل ستدفعهم إلى تخيل أنهم يقومون بذلك، مجرد تخيل لا أكثر؟
إن حركة المجتمعات المستمرة نحو التغيير لا تتوقف عند حدود تخيل مواجهة التغيير بل يكمن التغيير الأكبر في المساعدة على تغيير الأفكار والعادات والمفاهيم تغييراً جذرياً، وهنا يأتي دور المبدعين لإنتاج حركة فكرية متجددة هدفها المساهمة في تزويد المجتمع بأفكار تحافظ على قيمه وتساعد أفراده على الاحتفاظ بإنسانيتهم أمام زحف المادة والآلة، فالمبدع قد يكون محللاً أو ناصحاً في عمله، لكن عليه أن لا ينسى واجبه في نقل ما يحدث في مجتمعه بمنتجه الإبداعي وتقديم حلول واقعية للمشكلات التي يجلبها التغيير.
وهذا يجعلنا نعيد النظر أيضاً في معنى الإبداع من أجل التغيير، فهل كل من يكتب قادر على التأثير في مجتمعه؟ وما هو الفارق بين المبدع الذي يدعو الناس للتحرر من مخاوف التغيير بالتخيل، والمبدع الذي يقدم حلولاً لقضايا واقعية، ومن منهما يفلح في هذا الدور أكثر؟ هل هو من يرتبط بقضايا مجتمعه عبر إنتاج أعمال فكرية أو فنية تسهم في ردم الثغرات التي نتجت عن وطأة التغيير الجامح، أم هو الذي يرى في الابتعاد عنها بالخيال والأحلام أهمية تفوق أهمية الكتابة عن الواقع مباشرة؟
صحيح أن المبدع هو الذي يكرس مخيلته من أجل دعم نمو مجتمعه بالمنتج الإبداعي لتوفير بيئة آمنة مطمئنة لمن فيه وتقليل مخاوفهم وتقبلهم للتطورات بدلاً من محاربتها، ولكن ربما عليه إعداد مجتمعه لأي تغيير محتمل باستشراف المستقبل والاستفادة من دروس الماضي وإعادة ضخ معارفه بمنتج قد يسمح فيه لبعض الخيال لكنه لا يغرق فيه.