مالك لك والموارد للجميع.. بقلم: سامر يحيى

مالك لك والموارد للجميع.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٤ أبريل ٢٠٢١

يُحكى في إحدى المطاعم العالمية، بعد أن انتهت مجموعة من تناول الطعام، زادت بعض المأكولات فندهت عليهم إحداهن، وقالت لماذا لم تطلبوا كفايتكم من الطعام؟ فأجابوهم بأنّهم طلبوا الطعام ودفعوا ثمنه وهم أحرار بم يتصرّفون، فقالت لهم السيّدة، أموالكم لكم وأنتم أحرارٌ بها، أما موارد الوطن فهي للجميع وعليكم احترامها واستخدامها بحكمة.
 يا ترى هل نستخدم موارد الوطن بحكمة؟ هل نحترم أنّنا سواء دفعناً من مالنا الخاص أو مال الآخر، أنّى كان فهو بالنهاية استنزاف مواردٍ إن لم تُستخدم بحكمة؟ هل تستفيد المؤسسات الوطنية من المنابر الإعلامية على اتساعها وتنوّعها وتعدّدها لإعادة توجيه النشء لاحترام المال العام وحسن استثمار الموارد؟ وهل نفكّر بكيفية وصول هذه المادّة إلينا وكيف كانت مادّة خام وما هي الجهود والمواد التي احتاجتها وسيحتاجها مستقبلاً بعد الانتهاء منها؟ للأسف عندما تجد مكتب مسؤولٍ مهملٌ من هذه النواحي، فكيف ستقنع العاملين لديه بضرورة احترام المال العام، وإذا كان المدير نفسه يعتبر نفسه أنّنا مؤسسة ولن تكسرها بضعة أمورٍ، متجاهلاً أن الموضوع في غير مكانه يكسر مهما كان، واستخدامه بمكانه فمهما كان كبيراً يشكّل عائداً إيجابياً... ولا يبتعد ذلك عن أصحاب المال الخاص الذين ينفقون الأموال هنا وهناك بحججٍ لم تعجبهم أو لن تكسرهم، متجاهلين أنّه يمكن توجيه تلك الأموال نفسها إلى تطوير العملية الإنتاجية ودعمها، والدراسة المبدئية ـ لا سيّما في ظل توافر البرامج الحاسوبية، من اختيار الذي نريد بأقل التكاليف وأسرع الأوقات ودون تجربةٍ تضيع الوقت والجهد والمال، أليس من المنطقي بل الواجب لدى استهتار هؤلاء بتصرّفاتهم السلبية أن تتدخّل السلطات المتخصصة، لأنّه لم يعد ملكاً خاصاً بل استنزافاً لموارد الوقت وإضاعة الجهد والمال...
إن توجيهات وكلمات وخطب قائد الوطن ليست مجرّد شعارات نرفعها، ولا مجرّد عناوين نضعها في أي مجال نقوم به، وإنّما هي تشخيصٍ سليم ودقيق لما يعاني منه الوطن، ودور المؤسسات الحكومية البدء بتنفيذ التشخيص لا إعادة التشخيص ونقل الكلام، أنّى كانت الحجج والمبرّرات والشعارات....
التكنولوجيا يجب أن تكون عوناً للمؤسسات الوطنية والمواطن، وليس عبئاً وزيادة للوقت وتحقيق مصالح أفرادٍ على حساب المجتمع، وتفتح الباب لأبوابٍ من فساد وسوقٍ سوداء وما شابه، أياً كانت الحجج والنتائج الرقمية الوهمية المرفوعة... فهي نتائج لم تشمل كافّة جوانب المشكلة ولم تشمل التشخيص السليم، كأن يصاب مريضاً بداءٍ ما، فنعطيه مسكناً للألم، صحيح يشعر بالراحة نوعاً ما، ولكن قد يتعرّض لوعكات صحيّة أشرس وأعنف ويصل لمرحلةٍ لن يصل معه كل محاولات الاستشفاء لاستفحال المرض... وهل يعقل أنّ المؤسسات الوطنية لا زالت غير قادرةٍ على ضبط عناصرها، وتحميل كل المسؤولية للتكنولوجيا والتحوّل الرقمي، متجاهلين أنّ الإنسان هو الذي يتحكّم بهذه التكنولوجيا والتحوّل الرقمي والبرمجة للأجهزة الحاسوبية، فإن لم نعمل على بناء الإنسان الصحيح على خطى متوازية مع التطوّر التقني والتكنولوجي لن يكون نتاجنا سواء زيادة الأعباء وإدارة النقص بالنقص، بدلاً من إدارة النقص التي تؤدي تلقائياً لمضاعفة الإنتاج والبحث بكلّ مكامن الحلول وتجاوز التحدّيات.
من ذا الذي يدّعي أنّ ضوء الشارع في وسط النهار، وتلف بضع وريقات في مكتبٍ ما، واشعال الأنوار في مؤسسةٍ ما دون الحاجة إليها، إلى ما هنالك، هي فقط قيمة هذه المادة، وتجاهلنا كل جوانبها.
شتّان بين الهدر في المال العام، وبين البخل والتقتير على حساب العامل وأدائه، وبين الحكمة والحنكة في إدارة موارد المؤسسة، وشتّان بين الملكية الخاصة وحريّة الأفراد، وبين استنزاف موارد الوطن، فمستورد البطاريات وموّلدات الكهرباء وموزع الأمبيرات، والطاقة الكهربائية المفقودة نتيجة استهلاكها عدا عن مخاطرها الآنية والمستقبلية كافية لتأمين مصادر طاقة تكفي لتوفيرها لكافّة أبناء الوطن دون استثناء، وحتى من يرغب بالربح السريع يستطيع أن يكون شريكاً لهذه المؤسسة الحكومية أو تلك أو في المناقصات، وبالتالي دفع عجلة الإنتاج بكلّ المستويات واختيار الاحتياجات الحقيقية للوطن وبالتالي ينتقل من مرحلة المصلحة الشخصية إلى مصلحة الوطن وأبنائه جميعاً..
ومن المنطقي أن لا يحقّ لنا التدخّل بمن يملك اسطول سياراتٍ سواء كان مسؤولاً من نفقة المؤسسة الوطنية، أو أسطوله الخاص، ولكن المنطقي أن تتدخّل المؤسسات الوطنية، فكم من المسؤولين وفي مراتب عليا ورغم كلّ الظروف رفضوا أن ينتقلوا إلا بسيارتهم الرسمية دون أي سيارةٍ أخرى ترافقهم، لأنّ المسؤول الحقيقي والحماية الحقيقية تأتي من كونه يعيش بين أبناء وطنه، والجهات المختصة والعيون الأمنية الساهرة كفيلة بالقضاء على الفوضى والخوف من المشكلات الأمنية وما شابه ....
الكلام لا ينتهي، والأمور رغم صغر حجمها، لكنّ تأثيرهاً كبيرٌ جداً، وما نحتاده الضمير الوطني الحين، وحسن إدارة موارد الوطن كلٌ من مكانه ومكانته ودوره، بما يؤدي لدفع عملية الإنتاج، ومضاعفة المرتبّات، وتوفير موارد الطاقة، لأن الاستثمار السليم هو الذي نحتاجه في كلّ ظرفٍ فكيف بالظروف التي يعيشها وطننا وأبنائه..