زمن البيوت المكشوفة.. بقلم: مارلين سلوم

زمن البيوت المكشوفة.. بقلم: مارلين سلوم

تحليل وآراء

السبت، ٢٧ مارس ٢٠٢١

منذ ظهور التلفزيون والناس يعتبرونه مصدراً لبث الأخبار وكل ما هو جديد، بجانب البرامج الترفيهية والتثقيفية والمسلسلات والأفلام. وكان الجمهور هو المتلقي الذي ينتظر بشغف ما تبثه الشاشة في المساء كي يبدأ بتناقل تلك الأخبار فتصير بلغة اليوم «ترند» لكثرة تداولها بين الناس. ظهور «السوشيال ميديا» قلب الأمور، وبات التلفزيون هو المتلقي، والجمهور يبث أخباره وينشرها فتعيد القنوات تداولها لأنها «ترند».
هكذا يواكب التلفزيون تطور الزمن والتكنولوجيا، وهكذا بدأ يفقد السبب الأهم والرئيسي لوجوده، وزاد الطين بلّة انتشار المنصات التي باتت تنتج أفلاماً ومسلسلات وبرامج خاصة بها، وتعرضها حصرياً، حتى صارت القنوات الرسمية والخاصة تلفّ في دائرة ضيقة، وتلهث ببرامجها وإعلامييها خلف من يصنع الحدث، علّها تقفز إلى مرتبة ال«ترند» ولو مرة.
تلفزيون اليوم هو المتلقي، مجرد شاشة عرض تعكس ما نرغب في مشاهدته عبر المنصات، أو المواقع. وأغلبية البرامج المسائية، تعيد تدوير الخبر الذي سبق وقرأناه والفيديو الذي شاهدناه عبر «يوتيوب»، أو«تويتر»، و«إنستجرام». وفي التطور هذا إيجابية سمحت للناس بنشر أخبارهم، وأخبار المجتمع، وملاحقة المخالفين والمتطاولين والمتحرشين من دون انتظار إذن من قناة، أو مسؤول. تطور ساعد الضحية على التجرؤ والإسراع في فضح المعتدي، أو المتحرش من دون تردد أو خوف. لذا صرنا نسمع أكثر من أي وقت عن جرائم مجتمعية كانت تحدث منذ عصور، إنما في الخفاء ولا يسمع عنها سوى الضحية والمعتدي، وربما أقرب المقربين فقط.
كل الشوارع والمباني والبيوت صارت مكشوفة، كأنها مسرح مفتوح ينقل عبر بث مباشر، وبواسطة العدد الهائل من الكاميرات المنتشرة، كل حركة وهمسة، وتلتقط المخالفات والتجاوزات الفردية لتصبح حديث المجتمع كله خلال دقائق.
كانت تزعجنا عيون الكاميرات قبل أن تصبح الشاهد الأول والحي على كل ما يجري، فلولاها لبقيت أحداث التحرش والتعدي مجرد شائعات وهمسات نسمعها هنا، وهناك، من دون أي دليل حسي يكون خيطاً أساسياً يمسك به رجال الأمن والقضاء لإلقاء القبض على المجرم وسرعة دراسة القضية، والبت فيها.
نحن نصوّر ونبث، والشاشة تتلقى وتنشر. كانت تصنع الحدث وتبحث عنه وتنفرد به، فصرنا نصنع الأحداث ونتولى مهمة البحث والنشر قبلها. هواتف الناس هي الشاشة الحية المتحركة باستمرار، والعين التي تلقط كل صغيرة وكبيرة، ولا تفوّت هفوة أو حادثاً إلا وتجعله قضية ويصبح مادة دسمة للبرامج المسائية، و«التوك شو»، مادة تغذي البرامج ويعتمد عليها حتى كبار المذيعين لإعداد مادة حيوية ترضي الجمهور.