وشاح الموت.. بقلم: مارلين سلوم

وشاح الموت.. بقلم: مارلين سلوم

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ مارس ٢٠٢١

بعد «بوبجي» و«الحوت الأزرق» جاء «الوشاح الأزرق». كل الأمور تبدأ بلعبة وتسلية مغرية عبر تطبيق إلكتروني، لا مخاطر فيها ولا ما يخدش الحياء أو يؤثر في عقول الأطفال والشباب. هكذا يقعون بسهولة في المصيدة، وما إن يتضخم عدد المشاركين والمتابعين ويصير التطبيق حديث السوشيال ميديا، يبدأ بالتحكم بالفرائس، يفرض شروطه ويسوق المتابعين «المعجبين» كالقطيع خلف رغباته.
الألعاب الإلكترونية تندرج تحت بند الموضة، فهي تنتشر وفق موجات تتصاعد حيناً وتهبط أحياناً. يتحدث عنها الشباب والأطفال بدهشة وانبهار، تصير الحدث و«الاكتشاف» الذي لا بد من محاولة الدخول إلى عالمه كي يكون الولد (أو الفتاة) «ابن عصره»، ويتوهم أنه بفضله يثبت أنه متطور وفاهم في عالم التكنولوجيا والترفيه. لكن للأسف، في المصيدة طعم لذيذ النكهة والشكل، أما قوامه فهو معجون بالسموم التي تشل تفكير الأطفال أحياناً والمراهقين أيضاً، وتجرفهم خلف تيارات خطيرة تصل إلى حدود الموت إن لم يتم تدارك الأمر والعودة إلى الواقع سريعاً.
من أحدث صيحات التطبيقات، «تيك توك» الصيني، الذي جذب الناس سريعاً وغزاه المشاهير بشكل لافت كي لا نقول جنوني. ولأن موضة التحديات في العالم الافتراضي لا تتوقف، انطلقت عبر «تيك توك» لعبة إلكترونية جديدة يطلقون عليها «تحدي التعتيم» أو «الوشاح الأزرق»، والتي تفرض على اللاعب استخدام هاتفه لتصوير أدائه، ثم تطلب منه الدخول في التحدي وهو عبارة عن تعتيم الغرفة وتسجيل لحظات كتمه للنفس، باعتبار أنه ستنتابه أحاسيس مختلفة ويعيش لحظات مميزة عبر هذه التجربة «التي لا مثيل لها».
من يصدق هذه الأكاذيب؟ للأسف، أطفال ومراهقون من حول العالم يصدقون ويجربون ويدفعون الثمن. كل المسألة تبدأ من فكرة «أنا أجرب فقط» ويحسب الطفل بأنه قادر على التحكم بكل شيء والسيطرة على الوضع، فيشنق نفسه ويحبس النفس ليختبر الإحساس الذي يتحدثون عنه على التطبيق «من باب الفضول»، وهو لا يدرك أن خلف هذا «الباب» هاوية قد تودي بحياة الإنسان، ولا يدري أنه سيفقد السيطرة ويدخل في غيبوبة توصله إلى الموت!.
هذه اللعبة الإلكترونية، التي تبدو تافهة في نظر البعض، تسببت في وفاة طفلة لم تتجاوز العشرة أعوام في إيطاليا، ما دفع بالسلطات هناك إلى حجب تطبيق «تيك توك» داخل البلاد «مؤقتاً»؛ وتكررت المأساة نفسها لكن في مصر حيث أدى «الوشاح الأزرق» إلى مقتل أكثر من شاب شنقاً.
«فقدان الوعي» ليس تحدياً، وكل ما يعرض حياة الإنسان للخطر ليس لعبة ولا تسلية، بل هو جريمة حقيقية، يقف خلفها مجهولون بالأسماء والوجوه، معروفون من خلال الطريق الذي يصلون به إلينا. فهل نتفرج ونترك الرياح تجذب الصغار كيفما تشاء وترميهم في التهلكة باسم الترفيه؟