عائلة.. سبع نجوم!.. بقلم: رشاد أبو داود

عائلة.. سبع نجوم!.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٧ مارس ٢٠٢١

لو لم ترهن مارسيدس بارشا كل مقتنيات منزلها قطعة قطعة، من مصفف الشعر إلى السخانة الكهربائية، إلى كل ما له ثمن، لما كان زوجها، ساحر كولومبيا الحائز على جائزة نوبل، غابرييل غارسيا ماركيز، كاتباً عالمياً تترجم أعماله إلى مختلف لغات الكون، ولما كانت «مائة عام من العزلة» لتبقى خالدة على مر الأعوام.
ولو لم تعشق الفتاة الفرنسية الجميلة، سوزان، طالب الدراسات العليا المصري الكفيف، طه حسين، وتتزوجه لتكون عينه التي يرى بها ورفيقة حياته، لما أصبح طه عميداً للأدب العربي، ولا حاز على جائزة نوبل.
ألم يقولوا «وراء كل رجل عظيم امرأة»؟!
التاريخ يحفل بنساء، زوجات وأمهات وحبيبات، وقفن مع الرجل كعامل رئيسي مساعد في بلوغه العظمة بمختلف معانيها، الدينية والفكرية والثقافية. من الأمثلة زوجة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد، صلى الله عليه وسلم، خديجة بنت خويلد، التي كان لها تأثير كبير جداً على الدعوة الإسلامية ودعمها للنبي وتشجيعها له. ومن الأمثلة أيضاً والدة الإسكندر المقدوني، التي يشهد لها التاريخ بقدراتها ومدى تشجيعها وتربيتها له كمحارب منذ نعومة أظافره.
كذلك والِدة العالم أديسون، الذي غيّر عالمنا باختراعاته، حيث كانت من أكبر ملهميه ومشجعيه منذ بداية حياته، عندما أصر أحد أساتذته في المدرسة بنعته بصفة الغباء، ولكن والدة أديسون كذّبت ذلك واستمرت بتشجيعه وجعلته لا يستسلم لكلام أستاذه وجعلته يؤمن أنه ذكي ويستحق التشجيع.
لكن وبالمقابل.. ثمة نساء كن عائقاً أمام أزواجهن في تحقيق أحلامهم، بل اتخذن من عملهم الإبداعي «ضُرة» لهن. وأبرزهم الفيلسوف الإغريقي سقراط، التي كانت زوجته كزانتيب، مصدر تعاسته وفلسفته، في الوقت نفسه. فقد سئمت من طريقته في الحياة، وإهماله لها وأولادها، ومن ملابسه الرثة وفقره، جراء قضاء أغلب وقته في أسواق أثينا يجادل ويحاجج ويطرح أسئلة وآراء بعيدة عن مفاهيم الناس.
قال سقراط: ابتليت بمصائب ثلاث: اللغة والفقر وزوجتي، أما الأولى فتغلبت عليها بالاجتهاد، وأما الثانية فقد تغلبت عليها بالاقتصاد، وأما الثالثة، فلم استطع التغلب عليها.
وقيل إن سقراط ذاق الأمرين في حياته الزوجية، ومع ذلك فقد قال في أواخر أيامه ناصحاً تلامذته: يجب أن يتزوج الشاب على كل حال، فإذا رُزق زوجة حكيمة مخلصة غدا سعيداً، وإذا منحته الأقدار زوجة شريرة مشاكسة، أضحى فيلسوفاً!
للكتاب والشعراء نصيب من غيرة الزوجات لانشغال أزواجهن عنهن بالكتابة. يحكى أن سيبويه أحرقت زوجته كتبه؛ لأنه كان ينشغل عنها بتأليف أحدها، فلما علم بذلك أغشي عليه ثم لما أفاق طلقها. والليث بن المظفر كان منشغلاً عن زوجته بحفظ كتاب «العين» للفراهيدي، فغارت من الكتاب فأحرقته.
الأمير محمود الدولة الآمري، كان يقتني الكثير من الكتب، فلما مات، كانت زوجته تندبه وترمي بالكتب في بركة ماء وسط الدار، لأنه كان ينشغل عنها بهذه الكتب. إبراهيم العياشي قضى عشرين سنة في تأليف كتاب «حجرات النساء» فأغاظ ذلك زوجته لانشغاله عنها كثيراً؛ فأحرقت الكتاب، فأصيب الرجل بالشلل. محمد بن شهاب الزهري، قالت له زوجته يوماً: والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر!
ليس القادة والفلاسفة فقط، بل تنطبق مقولة «وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة تدفعه إلى الأمام، أو امرأة مشاكسة تشده إلى الخلف» تنطبق على كل مهنة يتطلب العمل فيها أن يصبح النهار ليلاً والليل نهاراً، بعكس الناس والطبيعة. ما يفرض على الزوجة حياة جافة، خالية من دفء العلاقات الاجتماعية، والنزهات مع العائلات وغيرها مما خلق النهار والليل من أجلها.
ومن هذه المهن، الصحافة التي تقضي بأن تحصد ليلاً ما حدث للعالم نهاراً. والكتابة التي غالباً ما تتطلب العزلة في هدوء الليل لكي تحلق في فضاء تشعر معه أن العالم بين يديك، لك وحدك بعيداً عن الزوجة والأبناء وأحياناً.. نفسك.
وللإنصاف، أشهد أن زوجتي تحملت كل مساوئ مهنتي لأربعين عاماً، وتفرغت لتربية خمسة أبناء، كنت أراهم وقت الغداء فقط. أذهب إلى العمل وهم في المدارس، وأعود وهم نائمون. لست نادماً ولا هي نادمة، فقد كوّنا عائلة سعيدة.. سبع نجوم.