عودة ترامب.. بقلم: عاطف الغمري

عودة ترامب.. بقلم: عاطف الغمري

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٠ مارس ٢٠٢١

جاءت العودة المثيرة لدونالد ترامب إلى المسرح السياسي، من خلال «منبر العمل السياسي للحزب الجمهوري»، تقدم تفسيراً دقيقاً لخصوصية النظام الحزبي في الولايات المتحدة. فهذه العودة تمثل حالة أمريكية في المقام الأول؛ لأن ذلك لم يكن ليحدث بهذا الشكل في دول تعرف تقاليد العمل الحزبي في الديمقراطيات الغربية في أوروبا، وخاصة في بريطانيا، التي تعد صاحبة السبق تاريخياً في معرفة نظام الأحزاب، باعتباره قريناً أو أساساً للديمقراطية. وهو نظام قام على الانتماء لحزب ارتباطاً بفلسفته ومبادئه، كما هو ظاهر في صورة حزبي المحافظين والعمال.
والنظام الحزبي في الولايات المتحدة مختلف تماماً. فالرئيس في أمريكا لا يمثل حزباً له سياسة ومبادئ معينة، نظراً لعدم وجود نظرية الانتماء والانضباط الحزبي بمعناها التقليدي؛ لأن الرئيس في أمريكا هو اختيار من جانب الحزب ليعبر عن تيارات سائدة وقتها داخل المجتمع. وفي هذا الإطار لا يملك الرئيس وحده صياغة قرارات معينة مثل قرار السياسة الخارجية. بل إن هناك أطرافاً عديدة تشاركه هذا الدور. وهو ما يتيح لقوى خارجية تحريك عدد من هذه الأطراف في اتجاه إصدار قرارات لصالحها.
هنا يحكم الحزب في أمريكا قانون المنافسة، فكل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يسعى بكل السبل للاستحواذ على كافة أدوات الجذب الجماهيري؛ ليتاح له الفوز في الانتخابات، وسُكنى مرشحه البيت الأبيض.
هنا نلاحظ الفارق الكبير بين عضو الحزب في أمريكا، ونظيره في بريطانيا – كنموذج – فالأول قد يكون أكثر ما يجذبه للحزب هو ما يحققه له من مصلحة. وإن كان ذلك لا ينفي وجود استثناءات عند البعض ممن تربطهم بالحزب مبادئه وتوجهاته السياسية، سواء تمثلت في التوجه اليميني للحزب الجمهوري، والذي ينحو في بعض المراحل التاريخية نحو التطرف مثلما كان الحال وقت سيطرة المحافظين الجدد، أو ميل الحزب الديمقراطي نحو الاعتدال في بعض القضايا، والتسامح مع الأقليات.
أما في بريطانيا فإن عضو حزب المحافظين يدرك أن حزبه هو الحارس على الفلسفة الرأسمالية، ومصالح القوى الاقتصادية التي يزيد رخاؤها من رخاء الدولة، بينما حزب العمال أكثر انفتاحاً على الطبقات الأقل دخلاً، ومؤيدٌ لتدخل الدولة أحياناً لضبط موازين العدالة الاجتماعية. من ثم يكون انتماء العضو لحزبه ثابتاً ومستمراً، فضلاً عن الممارسة التي تجعل العضو مع مرور السنين كادراً واعياً بأبعاد العمل السياسي.
بعد هذه المقارنة فإننا شهدنا هذه العودة لترامب وخطابه المثير من فوق منبر الحزب الجمهوري، وهو يقدم نفسه مرشحاً محتملاً لانتخابات الرئاسة عام 2024، وموجهاً هجوماً شديداً على سياسات بايدن، وبتهليل من المشاركين في المؤتمر، والذين أعلن 55% منهم أنهم سيؤيدون ترامب مرشحاً في انتخابات الرئاسة القادمة.
وبالرغم من أن رد الفعل الأولي لهجوم أنصار ترامب على مبنى الكونجرس، كان قد ظهر في انقسام شديد داخل الحزب الجمهوري، كان من شأنه إقصاء ترامب عن الحزب، بعد ثبوت تصرف المهاجمين للكونجرس بإيحاء منه، وبإيعاز من تصريحاته التي تتهم فوز بايدن بالتزوير في نتائج الانتخابات، إلا أن طبيعة النظام الحزبي في أمريكا، غلب عليها المنطق الطبيعي للأمور، وسيطرة قانون المنافسة على الحزب الجمهوري، ما يدفعه إلى إعلاء قيمة من يضمن له الفوز في الانتخابات المقبلة – وحتى إذا لم يكن ترامب هو مرشح الحزب، فعلى الأقل يضع الحزب عينه على عدم التفريط في أصوات سبعين مليوناً أعطوا أصواتهم لترامب، وهم الذين شحنهم بالعداء للحزب الديمقراطي ومرشحه بايدن. وهؤلاء هم الرافضون للكثير من المعايير الثابتة للنظام السياسي، مثل دور النخبة المؤثرة على صناعة القرار.
صحيح أن الحزب الجمهوري شهد انقساماً حاداً، ورفضت بعض قياداته عودة ترامب كلية. لكن الرغبة العارمة في استعادة البيت الأبيض، جعلت الحزب بشكل عام يميل إلى إعلاء المصلحة الحزبية فوق أي شيء آخر.
المؤكد أن ترامب أحدث شرخاً في النظام الحزبي، وكان أول تداعياته بدء عشرات من المسؤولين بالحزب، اتصالات مع زملائهم؛ لتشكيل حزب ينشق عن الحزب الجمهوري، لعدم اتخاذه موقفاً ضد ما وصفوه بتقويض ترامب للديمقراطية، وهذا الاحتمال لا يزال مطروحاً.
نحن أمام نظام حزبي له خصائصه التي تجعله مختلفاً عما هو عليه الحال في الديمقراطيات البرلمانية الغربية. وهو نظام تضعف فيه ملامح الانتماء الحزبي.