الضرورات تبيح المحظورات.. بقلم: سامر يحيى

الضرورات تبيح المحظورات.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٩ مارس ٢٠٢١

خلال تعرّضها لأزمة ماديّة، وإلغاء ما يربو على 30% من صفقاتها التجارية، اضطرّت الشركة للبحث عن فرصٍ لتوفير مبلغٍ ضخمٍ من المال، عبر طرح عدّة احتمالات، لكن المدير التنفيذي رفض كل الأفكار والمقترحات، لا سيّما فكرة تسريح عددٍ من العاملين، وإلغاء المكافآت والحوافز للمتبقّين، رافعاً شعار "الأفضل أن نعاني جميعاً قليلاً بدلاً من أن يعاني البعض كثيراً"، مقترحاً أن يقوم كلّ عاملٍ أنى كانت مرتبته الوظيفية وراتبه، بأن يأخذ خلال العام المالي الحالي إجازة بلا أجرٍ لمدة تتراوح بين الأسبوع والشهر كلٌ حسب قدرته ووضعه المادي، وعندما استشعر العاملون الخطر المحدق بالشركة، والأمان الذي منحتهم إياه، بدأوا بتطبيق المطلوب بمضاعفة الأداء أولاً، وبدلاً من الأسبوع إجازة بلا راتب أخذها البعض شهراً، لكنّه استمر بعمله دون تغيّب فعلي، فكانت المفاجأة أن حققّت الشركة أرباحاً ضعف المتوقّع....
هذه العبرة ـ وهي ذات مصداقية ـ تؤكّد لنا أنّ الأمان الوظيفي، والولاء للمؤسسة، يساهمان بمضاعفة إنتاجية المؤسسة، ويثبت لنا أنّه شتّان بين الأرقام الورقية المجرّدة والواقع المعاش، واحترام العامل وتفعيل دوره في المؤسسة، فهل يدرك القائمون على مؤسساتنا هذه العبرة، أمّ أنّهم ما زالوا غارقين بعبارات "أنا المدير فأنا الأفهم، أنا القادر والأقدر، أنا أقرّر وغيري ينفّذ، أطلب مقترحات وأرميها في سلّة المهملات، فإهانة للمؤسسة وللمدير أن يقترح العامل فكرة لإنجاح المؤسسة، لأنّه ليس أفهم مني، ولا يقدّر هو والآخرون ظروف الشركة وعملها وخصوصياتها، أو أن ليس الوقت الآن لهذا الموضوع، ولا لتلك الأفكار، ولا لهذه المقترحات، وعلى المواطن والعامل فقط الصمود والصبر وتفهّم الظروف دون حاجةٍ لأي تبرير، إلا التبريرات اللا منطقية وغير المبررة التي لا يكلّف المسؤول نفسه جهد عناء قراءتها وتشخيص الداء للوصول لدواء حقيقي فاعل، والتي تنعكس سلباً على أداء المؤسسة وسمعتها، رغم أن البعض قد يتبنّاها تحت شعارات خلّبية مدّعٍ حبّ الوطن، وما أصدق الشاعر الرصافي عندما قال : لا يخدعنّك هتاف القوم بالوطن..... فالقوم بالسر غير القوم بالعلن.
إن الظروف المحيطة ببلدنا، تتطلّب من كلّ منا مضاعفة الجهود، والبحث بكلّ السبل والطرق لإيجاد وسائل تساهم في القضاء على الفجوة بين المواطن والمؤسسات الوطنية، جسر الهوّة بين الدخل والإنفاق، والعمل على استعادة الأغلبية للطبقة الوسطى في المجتمع بكل السبل المتاحة، ولو اضطررنا لتجاوز أو تعديل بعض القرارات والقوانين والمقرّرات بسرعةٍ لا تسرّع، فالضرورات تبيح المحظورات ما دامت تصبّ في الصالح العام، وتحقق مصلحة أبناء المجتمع جميعاً، مستندةً إلى المبادئ الوطنية الراسخة، والثوابت لتعزيز صمود وتصدّي أبناء الوطن في وجه الهجمة الصهيوـ أمريكية وأدواتهم في الداخل، والدول التابعة لهم، وبالتالي البحث عن كلّ السبل التي تؤدي لإيجاد الحلول التي تحافظ على احترام قدسية الإنسان وكرامة المواطن، والحفاظ على موارد الوطن واستثمارٍ مستديم لكلّ بقعةٍ مقدّسة به، وتوجيه بوصلة الجميع لخدمة الوطن والمواطن بعيداً عن المصلحة الشخصانية.
وهنا لا نقول علينا تجاوز القوانين والتشريعات وما تمّ وضعه، ولكن علينا استثمارها بالشكل الأمثل، وأن تعمل العديد من المؤسسات على تجاوز بعضاً من الشروط القانونية بطريقةٍ قانونية ما دامت تصبّ في مصلحة العامة، وأما أكثر تلك القوانين والقرارات، فعلى سبيل المثال، بدلاً من إجراء مناقصاتٍ وكأنّنا في وضعٍ سليمٍ ومعافى، بأنّ نتعاون كأبناء وطنٍ واحدٍ مستفيدين من خبرات وقدرات وإمكانيات المستثمرين في الوطن والمغترب كلّ ضمن اختصاصه ونطاق عمله بأنّ يمدّوا المؤسسات الوطنية سواءً باحتياجاتها، أو بتفعيل عملية الإنتاج بما يؤدي لتلبية احتياجات المواطنين على شتّى بقاع الوطن، وحتى وإنّ كانت في سنوات الرخاء تعتبر تدخّلاً بالملكية الخاصة لبعض كبار التجار ورؤوس الأموال، فمن المجدي بل من الضروري والوطني أيضاً أن تفرض المؤسسات الوطنية المتخصصة على كبار التجّار ورؤوس الأموال الاستثمار في عملية الإنتاج، فبالإضافة للتجارة والأعمال والخدمات التي يقدّمونها، أن يفرض عليهم توجيه جزءٌ مهمٌ من مدخولهم في دعم عملية الإنتاج الزراعي والتي تلقائياً ستؤدي لمضاعفة الإنتاج الصناعي والتجاري والتصدير وتقليل فاتورة الاستيراد إلا للضرورة القصوى الممكنة بما يحقق الاعتماد على الذات، وبنفس الوقت تفعيل دور شركات البناء والمقاولات، وتوجيههم للاستثمار الأمثل في إعادة الإعمار، بالتعاون مع الإدارة المحلية، وعلى خطٍ موازٍ تقوم الجهات المختصة بتوثيق جرائم الإرهابيين لإجبار داعميهم على دفع ثمن تدميرهم لوطننا ومقدّراته، وبالتالي نحقّق نهوضاً مثالياً نضاهي به الدول المتقدّمة لأنّ لدينا شعباً حياً وحيوياً مبدعاً ومنتجاً رغم كل الظروف، ولا يحتاج سوى الأفكار والتوجيه لتخفيف الازدحام والقضاء على السماسرة الانتهازيين والاستغلاليين.
الضرورات تبيح المحظورات، بما يساهم في الحفاظ على كرامة المواطن والوطن، وتوفير متطلّبات جميع أبنائه، ونهوض كافّة مؤسساته بالشكل الأمثل والأسمى، وهذا لن يكون إلا بالشعور بالانتماء الوطني، والولاء المؤسساتي والتعاون والتعاضد المؤسساتي، واحترام العامل والمواطن لمؤسسته ووطنه، واحترام المؤسسات الوطنية للمواطن وكرامته فعلاً وقولاً، عملاً ونتائجاً ملموسة على أرض الواقع.