العرب والمتغيرات الدولية والإقليمية.. بقلم: جمال الكشكي

العرب والمتغيرات الدولية والإقليمية.. بقلم: جمال الكشكي

تحليل وآراء

السبت، ٢٧ فبراير ٢٠٢١

من يقرأ بعمق تفاصيل المتغيرات الحالية على الساحتين الدولية والإقليمية، يتوقف أمام تداخل كبير في الأوراق السياسية، فالصراع غير مسبوق على إدارة العالم، وموازين القوى تعيد رسم خرائطها من جديد، كلٌ له معركته لتعظيم مصالحه، رؤى جديدة داخل مختبرات السياسة، ومراكز التفكير العالمية تكتب مشروعاتها الجديدة وفق مصالحها العظمى.
الشواهد التي تلوح في الأفق الإقليمي والدولي تقول إن التحديات كبرى، ولها تعقيداتها الاستثنائية، والتعامل معها يحتاج أيضاً إلى استراتيجية استثنائية.
نحن العرب علينا أن نتساءل بقوة وعمق: أين نقف من هذه التحديات الكبرى؟ السؤال يأتي في التوقيت المناسب. الحسابات مطروحة على طاولات النقاش، هناك على الجانب الآخر من يقف متربصاً، لكن دروس ما يسمى بالربيع العربي لا تزال دامغة في العقل والوجدان.
غير مسموح بالعودة إلى مربع الفوضى، أنين بغداد لا يختلف كثيراً عن أوجاع دمشق وصنعاء وطرابلس وبيروت، نزيف الخسائر البشرية والاقتصادية والسياسية أدمى شعوب هذه البلدان.
هذه العواصم التي وقعت فريسة التآمر والفوضى والإرهاب، لا تزال تلاحق خرائطها تحديات جديدة، تحديات اقتصادية ضاعفتها جائحة «كورونا» وتحديات أطماع إقليمية تهدد وجودها، وتربّص من قبل جماعات متطرفة، وتنظيمات إرهابية تحاول إعادة تموضعها من جديد.
ملامح الصورة الكاملة تقول إن الدول العربية لكي تحافظ على استقرارها وأمنها القومي، وسط هذه الأمواج المتلاحقة من التحديات، فلا بد أن يكون لديها استراتيجية تجمع العرب وتعيد روح العروبة والوحدة، ومشروع عربي يقوم على تقارب المواقف، والعمل بضمير وطني قومي جماعي للتصدي لهذه المخططات التي تحاك للمنطقة من جهات عديدة، سواء على المدى القريب أو المدى الاستراتيجي.
فلا شك أن المتغيرات على الصعيدين الدولي والإقليمي ضاعفت من أطماع بعض جيران العالم العربي في الأراضي والثروات العربية، نعم الأزمات التي تمر بها المنطقة العربية تختلف عن سابقاتها، وبات على الشعوب العربية وقادتها الانطلاق من مرتكزات الحفاظ على الأمن القومي العربي، وحماية مقدرات الشعوب، وصون وحماية خرائطها الوطنية، والوقوف صفاً واحداً لتأكيد وترسيخ مفهوم الدولة الوطنية، الذي حاولت فوضى ما يسمى بالربيع العربي اختطافه.
أيضاً، علينا ضرورة وقف الصراعات والخلافات بين بعض الأشقاء العرب والالتقاء عند محور الاستقرار وإعلاء المصالح العليا للأمن القومي العربي، فالتوقيت فاصل، وهذا يتطلب ضرورة وأهمية التحلي بمبدأ السمو والتخلي عن الأنانية السياسية، والإيمان الكامل بأن أي خطر يقع على دولة عربية فهو يعني بكل وضوح أنه خطر على بقية الدول العربية.
أيضاً في ظل هذه التحديات التي تواجهنا، لابد من بناء مشروع عمل عربي مشترك ينطلق من ثوابت يحكمها مبدأ رفض التدخلات الإقليمية في الشؤون العربية، وضرورة التعاون والتضافر العربي حول «المشتركات» وليس «الخلافات» بهدف الوصول إلى وجهة نظر وتقدير موقف يتم البناء عليه من أجل بقاء وثبات ورسوخ الكلمة العربية على الصعيدين الدولي والإقليمي.
كما يجب أيضاً صياغة تصورات عربية تلقى قبول معظم الأطراف، لتكون بمثابة البوصلة لخدمة القضايا العربية، أثناء التفاوض في المحافل الدولية.
وسط هذه الاقتراحات والمطالب من شعوب وقادة الدول العربية لمواجهة التحديات والأزمات التي تحاك للمنطقة، فلا يجب إغفال التعاون الاقتصادي الذي يشكل عصب الوحدة العربية، والعمل على زيادة التجارة البينية، وتعميق الشراكات الاقتصادية والصناعية بدافع الوصول إلى الاكتفاء الذاتي اقتصادياً، ومن ثم ينعكس ذلك على الأداء السياسي.
فبكل حسم نؤكد أن تفاصيل المشهدين الإقليمي والدولي تقول إنه ليس لدينا نحن العرب رفاهية الاختلاف، بل علينا واجب الاتفاق في هذه اللحظات الصعبة، فقد ذقنا مرارة الفوضى والتخريب والإرهاب ومحاولات تمزيق الخرائط الوطنية.
*رئيس تحرير «الأهرام العربي»