رحلوا في الجائحة.. بقلم: مريم البلوشي

رحلوا في الجائحة.. بقلم: مريم البلوشي

تحليل وآراء

الأحد، ١٤ فبراير ٢٠٢١

فقدت قبل أسبوع جدّتي، التي قاومت إصابتها بفيروس «كورونا»، كانت تتعافى لكن الله اختارها لترحل عن هذه الدنيا، كانت قوية، لا تتنازل عن شجاعتها في الثبات والدعاء، ومثلها كثيرون، منهم من رحل ومنهم من لا يزال على فراش المرض يقاوم، ويحاول معه الكادر الطبي بأن يتعافى ويعود لأهله.
في هذه المرحلة الصعبة اليوم، وجدت حاجتنا في أن نؤازر بعضنا في الألم، في الدعاء وفي الرحيل أيضاً، كثيرون فقدوا عزيزاً لديهم، وكثيرة هي البيوت التي أصيبت بالمرض، لبعضهم مر مروراً عابراً، والبعض عانى وعكات صحية، ومن هم مثل عائلتي مرت علينا كل الدرجات، والحمد لله في الرخاء والمصيبة أيضاً. نحن اليوم نواجه هذه الموجة الشرسة، التي في طبيعتها قد تختلف كثيراً عما كنا نعرفه قبل شهور، هناك تطورات في طبيعة الفيروس، وتقارير من مختبرات عالمية تبين تباين مختلف السلالات، ونحن كبشر ما زلنا معرّضين للمجهول، لما لا نعرفه، فوجب اليوم الالتزام أكثر من ذي قبل.
تعلمت من إصابة عائلتي وجدّتي الكثير، تعلمت كيف أن الطبيب يحاول ويتمنى وأنه أيضاً بشر قد ينهار في لحظة حين يفقد مريضاً، تعلمت أن الإنسانية في أروقة المستشفيات هي الرسالة وهي الطبيعة السائدة وهي ما نتمناه من الجميع على اختلاف الجنسيات. تعلمت أننا في اختبار جداً صعب، مع من نحب، أولئك الذين رحلوا في هذه الجائحة كانوا لقلوبنا أقرب من الوريد، وكانوا للبعض نبضاً للحياة وهي تجربة للصبر المرير، والثقة برحمة الله في كل الحالات.
تعلمت أننا لا يجب أن نكون أنانيين في هذا الوضع، أن لا نفكر سوى في أنفسنا في وقت محدود، وأن يكون خوفنا منبعه اليقين وهو إن خفت على من حولي ستكون أيضاً عائلتي بخير، تعلمت أنني عرضة لأي شيء في أي وقت، لكن لا يجب أن يكون الخوف ما يعتريني، بل ثقتي بأن الله سيحفظنا وأن يكون الدعاء والأخذ بالأسباب وسيلتنا في هذه الحياة. تعلمت أن عائلتي أهم من أي شيء في هذه الحياة، من نفسي وكل ما أحب، بل هم الحياة التي لا بد أن يكون كل شيء متمحوراً حوله.
تعلمت أن الحب الحقيقي يقاس في المصاب الجلل، وأن العلاقات تتعرى بين مصالح شخصية وعلاقات إنسانية حقيقية، فكانت رسالتي للجميع، كونوا بإنسانيتكم في هذه الحياة، وتخلصوا من فكرة التعامل مع البشر بأنهم وسيلة في وقت ما، كونوا حقيقيين ومتواصلين مع غيركم، مع ألمهم وتعبهم، فالكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، والله يضاعف الأجر والثواب، اخلعوا رداء الآلات وعودوا بشراً رحماء.