هل الاستعراض مجدٍ!؟.. بقلم: سامر يحيى

هل الاستعراض مجدٍ!؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٩ فبراير ٢٠٢١

يُحكى أنّه أثناء الحرب العالمية الثانية، ونتيجة مرور بلاده بأزمة ورق، أصدر ستالين أمراً بعدم الطباعة إلا بموافقته الشخصية، وعندما قرأ مخطوط شعرٍ عاطفي، كتب عليه، "تطبع نسختان فقط للشاعر نسخة ولحبيبته الأخرى....".
بغض النظر عن مصداقية الحكاية، لكن في الأزمات نحتاج لقرارات أكثر جرأة، وواقعية، ومنطلقة من الإمكانيات المتوفرة، بقراءةٍ متأنية سريعةٍ لا متسرعة، متقنة بتدبّر وحكمة وحنكة، وتمحيص وتدقيق بكلّ قراراتنا أنّى كانت "معسولة" فلكلّ مقامٍ مقال، ولكل زمنٍ ظروفه وبيئته وتطوّراته، مما يتطلّب الاستثمار الأمثل المستديم المتوازن دون استثناء أيّ قطّاعٍ مهما كانت طبيعته وتخصصه، بما يؤدي لتلبية احتياجات المواطن والحفاظ على موارد الوطن وعدم استنزاف موارده وجعله تحت رحمة الآخرين سواء في إطار الدِّيون أو المعونات أو ما شابه، لا سيّما أن الجمهورية العربية السورية ترفض التعاطي مع الآخر أنّى كان هذا الآخر إلا الند للند، عدا الكيان الصهيوني الذي هو سلطة احتلال.
إذاً هل بالفعل نضع هذه المبادئ والثوابت نصب أعيننا ونتحرّك من خلالها؟! هل نفكّر بجدّية وبحث كلّ جوانب قرارٍ وتصوّراته وفرضياته ونتائجه المتوقّعة والمتوخّاة قبيل البدء به؟! هل نبحث كافّة جوانب المسألة لإنجاحها بالحد الأعلى الممكن، لا التركيز على جانب وتجاهل الجوانب الأخرى؟! وفي حديثنا عن إقامة المعارض والمهرجانات داخل وخارج سورية، هل كلّ مرّة نقيم بها معرض أو مهرجان أنّى كانت التسمية أو الشعار أو الجهة التي أقامته، وهل عمدت الجهات المتخصصة بالتعاون والتشاركية مع أصحاب التخصص، بقراءة كافّة العناوين وما بين السطور وصولاً لأقصى احتمالات الإيجابية والسلبية والنتائج التي تحقّقها؟! إذا علمنا أنّ المعارض والمهرجانات هي أداةٌ حقيقيةٌ للتسويق، وصلة الوصل بين المنتج والمستهلك، وتقديم أفكارٍ وموادٍ جديدة للوسطاء، واعتماد النوعية الأفضل بالسعر الأقل، ودعايةً شبه مجانية للمنتج الجديد وتعزيز مكانة القديم أو التي تملك شهرةً، عدا عن صفقات البيع والشراء وتطوير الأداء المفترض أن تحصل بعد مراجعة نتائج المهرجان والمعرض.
إن سوريتنا استطاعت رغم كل الحصار والإرهاب إثبات وجودها وعادت عجلة الإنتاج وتوفّر المواد وإن بشكلٍ خجولٍ في قطّاعات أساسية، ونشطٍ في قطّاعات استهلاكية تحويلية، لكنّه فاعل ومهم، ودور الجهات المتخصصة بعيداً عن اللجان الخلّبية والدراسات الرقمية الوهمية، البحث عن عائدية المعارض الحقيقية، والدروس واستطلاعات رأي المنتج والمستهلك وحتى الوسيط، وإمكانية توفير الموارد والحفاظ على الأسعار انطلاقاً من القيمة الحقيقية للمنتج، وموارد الإنتاج الداخلة فيه وتكلفته الكليّة وقدرة المستهلك ودخله، وهل تتحمّل المؤسسات والشركات، قطّاع عامٍ أم خاص، المسؤولية الاجتماعية على مدار العام، ليس مجرّد تبنّي مسؤوليةٍ اجتماعية كدعايةٍ عن عملها، في وقتٍ معينٍ ولغرضٍ معيّن... هل استطعنا فتح نافذة لاستقطاب المغترب السوري باستهلاك الصناعات الوطنية السورية في المغتربات، رغم وجود عدّة طرقٍ التي يستطيع من خلالها استيراد أو تصدير ما يحتاجه بما يصبّ لصالحه والوطن، وفق الإمكانيات والاحتياجات والرغبات المتوفرة، وصولاً لجردةٍ حسابٍ تصبّ لصالح الاقتصاد الوطني الكلّي، وتدفع عملية الإنتاج إلى الأمام.
هل المعارض الدولية، التي تقام خارج سورية وداخلها، تقلّ أهمية عن تلك المعارض المحلية، أمّ انهما يتوازيان بنفس المهمّة وإن كانت المعارض الدولية والخارجية لتعريف كبار التجار ورجال الأعمال غير السوريين بالاستثمار في سورية، أو نقل المنتج السوري وتوزيعه في البلدان الموجودين بها، وبالتالي نحقّق "القوّة الناعمة" الحقيقية، التي تتمتّع بها سوريتنا، لا سيّما بعد توزّع السوريين في كافّة بلاد الاغتراب تقريباً دون استثناء، بما يؤهّل السوري ليكون أداة سياسية واقتصادية وثقافية وتجارية واعلاميةً إلى ما هنالك لصالح وطنه الأم، بغض النظر عن الكثير من الحجج التي يضعها البعض للتهرّب من مسؤوليته والمهام المنوطة به، بما يؤدي لنقل الرؤية السورية، والموقف السوري، واثبات الانتماء للوطن الأم والقدرة على التأقلم مع المناخ الذي انتقل إليه.
هل استثمرنا بشكلٍ جديّ، أو أجرينا مراجعةً حقيقية، للمعارض السابقة، للاستفادة منها بالمعارض اللاحقة، لا سيّما معرض الكتّاب، والزهور، ومعرض دمشق الدولي..... بما يؤدي لفتح باب الصادرات لكلّ منتج سوري، واستيراد كلّ ما نحتاجه وعدم القدرة على إنتاجيته أو تكلفته أعلى من استيراده، أو يستنزف الموارد الوطنية، وبالتالي نحقّق الاعتماد على الذات، وتلبية متطلّبات أبناء الوطن واقتصاده بآنٍ معاً.
وهنا لا بدّ من لفت الانتباه إلى أنّ من حقّ المواطن السوري الحضور لكل هذه المهرجانات، ولكن هل فكّرنا بالفائدة التي ستعود على المواطن السوري، ليس مجرّد "تسليةٍ وإمضاء وقت عابر وتفريجٍ عن نفس"، بل مركزاً عملياتياً لتلبية احتياجات المواطن واستقطابه ليكون عنصراً فاعلاً في توسعة عملية الإنتاج والدعاية وما لديه من أفكارٍ وابتكار بما يساعد على الانطلاق والمساهمة في بناء الوطن، ومعرفة الاحتياجات الحقيقية لتلبيتها.
بكلّ تأكيد لا يمكن للمعارض والمهرجانات الروتينية أن تؤتي ثمارها إن لم ندرسها بشكلٍ شاملٍ وبحضور كلّ الجهات المختصة، بعيداً عن الشعارات البراقة، والعناوين الجذابة التي تنطفئ بانتهاء المؤتمر، بل نخسر كثيراً، لعدم متابعتنا الجدية وإهمالنا المقصود، ونفشل في استثمارٍ مستديم لجهود المواطن العربي السوري المقيم والمغترب، وكلّ من يحبٌ سورية من مستثمرين ورجال أعمال، وخسارة القوّة الناعمة التي نملكها والمنتشرة في كلّ أصقاع العالم.