أردوغان يتحصّن داخلياً.. بقلم: محمد نور الدين

أردوغان يتحصّن داخلياً.. بقلم: محمد نور الدين

تحليل وآراء

السبت، ٦ فبراير ٢٠٢١

منذ فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يضرب أخماساً بأسداس. فما كان يقال بشكل غير رسمي أثناء الحملة الانتخابية بل حتى قبلها من بايدن نفسه وفريق عمله ضد أردوغان تأكد بعد تشكيل بايدن فريق عمله وتسلمهم رسمياً مناصبهم.
 ينقل عن بايدن أنه مستاء من أردوغان لأنه كان من بين الرؤساء الذين هنأوه في آخر لحظة. صحيح أن أردوغان انتظر صدور النتائج رسمياً، لكن كان واضحاً للقاصي والداني أن أردوغان كان منزعجاً من فوز بايدن ومرتبكاً في طريقة التعامل معه، فكانت تصريحاته وتصريحات الناطق باسمه إبراهيم قالين والمستشارين الذين يدورون في فلكه تعكس تساؤلات وترقباً أكثر مما تعكس آلية للتعامل مع الرئيس الديمقراطي الذي توعد بخلع أردوغان في أول انتخابات رئاسية.
 ويدرك أردوغان، وهو الذي عبر محطات صعبة كثيرة في العلاقة مع واشنطن وأوروبا أبرزها محاولة الانقلاب ضده عام 2016، أنه إذا كان قوياً في الداخل يمكن له أن يواجه بايدن والدول الأوروبية التي لا تكن له ودّاً. ولذلك يعمل منذ أسابيع لا سيما بعد فوز بايدن على تعزيز درع الحماية له في الانتخابات الرئاسية المقبلة سواء حصلت في موعدها عام 2023 أو فاجأ المعارضة في انتخابات مبكرة وسط ظروف قد تكون مؤاتية له ولا تحتمل الانتظار إلى العام 2023. وفي هذا السياق فإن الصراع على كل صوت انتخابي له، في ظل النظام الرئاسي، أهمية مطلقة كون الفارق في الانتخابات الأخيرة قبل سنتين كان بحدود الاثنين في المئة فقط، وكون مرشحَيه في انتخابات بلديتي أسطنبول وأنقرة عام 2019 قد تعرضا لهزيمة قاسية أمام مرشحَي المعارضة.
 وما زاد في صعوبات أردوغان انشقاق العديد من الزعماء البارزين في حزب العدالة والتنمية عنه وعن الحزب مثل أحمد داود أوغلو الذي أسس حزب المستقبل وعلي باباجان الذي أسس حزب الديمقراطية والتقدم، وانفجار الصراع بين أردوغان وأحد الرموز البارزة في الحزب هو بولنت أرينتش بحيث لم يتبق من كوادر محيطة بأردوغان سوى أسماء هامشية لا قيمة شعبية لها، وهو الأمر الذي يجعل الحزب هو حزب أردوغان ومرتبط بشخصه حتى إذا اختفى أردوغان عن الساحة السياسية لسبب أو لآخر كان المصير المحتوم للحزب هو الانقسام وربما الاضمحلال كما حصل سابقاً مع «الحزب الديمقراطي» في الخمسينات وحزبي «الوطن الأم» و«الطريق المستقيم» لاحقاً، اللذين انقرضا بعد غياب طورغوت أوزال وسليمان ديميريل.
 في خضم هذا المشهد الدقيق كان سعي الرئيس التركي لتجميع نقاط من هنا وهناك. فمدّ يده اولاً ل«حزب السعادة» الذي له بين واحد واثنين في المئة من الأصوات واجتمع مع رئيسه أوغوز خان أصيل تورك الذي أدلى بتصريحات إيجابية بشأن التحالف مع حزب العدالة والتنمية وشريكه حزب الحركة القومية. لكن موقف أصيل تورك قوبل باستهجان من قيادات داخل «حزب السعادة» الأمر الذي سيضع الحزب أمام خطر الانشقاق فيربح أردوغان ولو نسبة من أصواته مهما كانت.
 ومن وقت لآخر يطلق أردوغان نداءات إلى «الحزب الجيّد» وزعيمته مرال آقشينير الذي له بحدود عشرة في المئة من الأصوات، وباعتبار أن الحزب قومي الهوى يمكن أن ينجذب إلى دعوات أردوغان. لكن آقشينير أغلقت الباب نهائياً امام أي تعاون مع أردوغان وبقيت على وفائها لتحالف الأمة الذي أقامته مع حزب الشعب الجمهوري العلماني منذ العام 2017.
 وفي سياق إضعاف الجبهة المعارضة كان تركيز أردوغان على محاصرة وضرب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي له أيضاً حوالي العشرة في المئة من الأصوات فسجن قادته وأقال رؤساء بلدياته المنتخبين والعمل جار على قدم وساق لحظر الحزب قانونياً أمام المحكمة الدستورية من خلال تشكيل ملف يتهم الحزب بدعم «الإرهاب» والمقصود هنا حزب العمال الكردستاني.
 ولا يجب نسيان أن حزب العدالة والتنمية، مع تغيير النظام إلى رئاسي، بات عاجزاً عن الاتكال على ذاته فقط. فدخل في شراكة قومية يمينية مع حزب الحركة القومية المتشدد بزعامة دولت باهتشلي. ولولا باهتشلي لما استطاع أردوغان أن ينتصر في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2018، ومعه شكّل كتلة ضمنت الغالبية المطلقة في البرلمان بعدما فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول عليها منفرداً.
 وبذلك يتحصن أردوغان داخلياً علّه يواجه، ديمقراطياً، ضغوط بايدن والاتحاد الأوروبي فيبقى في السلطة أولاً، ولا يقدّم، ثانياً، من التنازلات ما يحول دون الاستمرار في مشاريعه التوسعية الخارجية.