العقول النيّرة.. بقلم: سامر يحيى

العقول النيّرة.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ١٧ يناير ٢٠٢١

فوائدها عظيمة، وأفكارها مستديمة، وآراؤها متطوّرة وأفكارها متجدّدة، لا تكتفِ بالشهادة العلمية التي وصلت إليها، إنّما تعتبر كل لحظةٍ هي فرصةٌ للتعلّم، وذهناً منفتحٌ لكلّ ما يقوله الآخر، وتدرسه بحنكةٍ وحنكة لاكتساب العلم والمعرفة والخبرة، بكلّ موضوعٍ أنّى كان لزيادة الثقافة وسعة الفكر وتغذية الدماغ، والقيام بواجبه على أكمل وجه، لا تنتظر الأوامر بل تبدأ من نفسها، ما دام دورها واضحاً ومعروفاً، ومستنداً لمبادئٍ وقيمٍ وقواعد، إنّما تعمل لتطوير الأداء وابتكار الأفضل، لاختصار الوقت والجهد والمال، وتفعيل العصف الفكري لتجميع أكبر قدرٍ ممكن من المعلومات والبيانات والمعطيات التي تؤدي لاتخاذ القرار السليم القابل للتطبيق على ارض الواقع.. وكما قال أحدهم، إن كلّ إنسان يملك في داخله "عالمٌ وشاعر" شاعر لديه الفكرة والموهبة، وعالمٌ يختبرها لاختيار الأفضل منها لتطبيقه على أرض الواقع... انطلاقاً من الإمكانيات المتاحة والموارد المتوفّرة والمهام الموكلة إليه والنتائج المتوخّاة من عمله، وقال ابن المعتز:
 ولكلّ عقلٍ غفوةٌ أو سهوة ......   والحرّ محتاجٌ إلى التنبيه
فيا ترى هل نملك هذه العقول النيّرة، والتساؤل الأصح لو لم تكن لدينا عقولٌ نيّرة، هل استطعنا الصمود ومواجهة كل التحديّات والحصار والإرهاب وأدواته الداخلية وكلّ محاولاتها لتفتيت البلد وتشتيت جهود أبنائه، وهل المؤسسات تقوم بدورها، لأنّها هي المفترض أن يكون مسؤولاً عن قيادة عقول أبناء المجتمع لتنبيهها وتوجيهها الوجهة الصحيحة والتشاركية في بناء الوطن كلٌ انطلاقاً من مكانه ومكانته ودوره والمهام الملقاة على عاتقه بدءاً من بناء أسرته وصولاً لإعادة إعمار الوطن، وهل بحثت عن الحلول والأفكار التي تؤدّي لاستقطاب جميع أبناء الوطن، فكلّ مؤسساتنا دون استثناء تشكو من قلّة العمالة، وقلّة قيام العديد من أبنائها بواجباتهم، وبنفس الوقت تتجاهل رأي أبنائها، تشكو من هجرة العقول والأدمغة والكفاءات والموارد البشرية، ولا تستثمر الكفاءات والعقول لدى المؤسسة، وحتى من هم داخل الوطن أو خارجه بما يؤدي للاستفادة من دور الجميع، ومن يقول الوقت غير ملائمٍ يتجاهل أنّ لكلّ مؤسسة تخصّص، ولدى كلّ مؤسسةٍ تخصّص بموضوعٍ معيّن بما يعني أهميّة بل ضرورة وحتمية توافق وتشاركية جميع المؤسسات في بناء الوطن وإدارة موارده المادية والبشرية على حدّ سواء، فليست المسؤولية على شخصٍ أو مؤسسةٍ محدّدة بل الجميع مسؤولٌ وكلٌ ضمن تخصصه واختصاصه، وهل نجلد أنفسنا عندما نقول هجرة الكفاءات والموارد، ونتجاهل أن الموجودين في الوطن هم أيضاً كفاءات وموارد وعقول نيرّة فقط تحتاج من يُحسن استثمارها ويستطيع توجيه جهودها، فبالتأكيد من بقي ضمن الوطن لن يكون أقلّ ذكاءً وعبقريةً ونشاطاً ووطنية من الذي غادر الوطن، وكذلك الكثير ممن غادر الوطن يتّسم بالوطنية والغيرة على أبناء وطنه والحفاظ على موارده والسعي بكلّ الوسائل المتاحة له من أجل الحفاظ على تقدّمه واستقراره وإزالة الحصار والإرهاب وأدواته.
هل نحمّل المسؤولية للتضليل الإعلامي، وأنّ أعدائنا يملكون كلّ وسائل الإعلام الحديثة والمتطوّرة والأساليب المبتكرة، ونتجاهل الاستفادة من العقول التي لدينا وقسمٌ كبيرٌ منها هو الذي يحرّك تلك الأدوات التي تساهم في عملية التجييش والتضليل، أم أنّنا عندما تخلّينا عن جزءٍ أساس من عملنا ودورنا والمهام المنوطة بنا سمحنا للآخر التدخّل وإهمال مواردنا المادية والبشرية لتكون لقمةً سائغةً بيد الآخر، ونسمح بتواجد ثغراتٍ يتسلّل منها أعدائنا ضدّنا، ألم تكفينا حرباً علنية فاقت العشر سنواتٍ، وقبلها حصارٌ ومحاولاتٌ لمنعنا من تحقيق كل ما نطمح إليه في الاستمرار في الحفاظ على ثروات وطننا وموارده وكرامة أبنائه منذ عقودٍ عدّة، ولن تتوقّف تلك المحاولات ما دام الشعب العربي السوري صامدُ ملتفٌ حول قيادته ووطنه وقضيته الوطنية والقومية، ومحورية دوره في الإنسانية.
العقول النيّرة تنادينا، فكلٌ منا يملك العقل والفكر، وكلٌ منا يحتاج التفكير والاستنهاض والعصف الفكري وتفعيل دوره بالشكل الأمثل وتوجيهه الوجهةّ التي يحتاجها الوطن ضمن تخصصه وإمكانياته وقدراته، لاستثمارها على أكمل وجهٍ، بعيداً عن إضاعة الوقت والجهد والمال، والسير وفق روتين الحياة الطبيعي بعيداً عن أيّ جهدٍ محمّلين الآخر والظروف المسؤولية، متجاهلين دورنا الأساس في تحقيق ذلك.
 لا نبالغ إذا قلنا أنّ كل مواطنٍ عربيٍ سوري يملك من الكفاءات والموارد والعقل النير، ما يكفي لإعادة اعمار البلد والتصدّي لكل العقبات والتحديّات ومحاولات تفتيته، فقط يحتاج قيام كلّ مؤسسةٍ بدورها المنوط بها، إذاً ما ينقصنا هو حسن الاستثمار، والضمير الوطني الحقيقي البعيد عن التوصيف الوهمي، والشعارات الخلّبية، والقول بلا فعل، والتهرّب من تحمّل المسؤولية.