الرهان على تراجع قيم الغرب.. بقلم: لي هاميلتون

الرهان على تراجع قيم الغرب.. بقلم: لي هاميلتون

تحليل وآراء

الجمعة، ١٥ يناير ٢٠٢١

يعلق بعض النقاد الكثير على تراجع قيم الغرب السياسية الحضارية منذ أن نشر الفيلسوف الألماني أوزوالد شبنجلر كتاباً بهذا المضمون عام 1918. وقد يقول البعض إن هيمنة قوى الغرب الكبرى تراجعت عما كانت عليه قبل صدور الكتاب المذكور؛ لكن الحديث عن تدهورها كان مبالغاً فيه.
 فالغرب، كما نشير إليه عادة، هو مفهوم أكثر شمولية من مجرد كونه منطقة جغرافية. فالمصطلح يستخدم للإشارة إلى مجموعة من الدول الصناعية المتقدمة، التي توحدها القيم المشتركة بما في ذلك الحكم الديمقراطي، والمعايير الدستورية، وسيادة القانون والحريات المدنية. ويركز المصطلح عادةً على الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية، وفي الأغلب يتوسع ليشمل أوروبا الشرقية وأستراليا ونيوزيلندا. وهناك دول أخرى، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، لديها قيم وأنظمة اقتصادية مشابهة؛ لكنها لا تعد عادة جزءاً من الغرب.
 ولعل أبرز الصور التي يتجلى فيها مفهوم الغرب السياسي هي منظمة السبع الصناعية؛ المكونة من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - التي تملك الاقتصادات الرئيسية في العالم - والتي أصبحت منصة لتنسيق السياسات الاقتصادية والتجارية.
 ولا شك أن تجربة الغرب السياسي وسطوته وما حققه من شهرة ليس حديث العهد؛ بل يعود إلى قرون. فقد وفر المناخ والجغرافيا الطبيعية عبر المحيط الأطلسي الكثير من المزايا مثل: الموانئ في أعالي البحار والأراضي الغنية للإنتاج الزراعي والمواد الخام؛ لبناء أقوى الأنظمة الاقتصادية في العالم.
 وعلى الرغم من الحديث المتكرر عن انهيار الغرب والتنبؤات التي لا تتوقف، فقد أثبت أنه مرن، وأعاد اختراع نفسه، وأظهر قدرة رائعة على البقاء، وحتى الهيمنة.
 وبدأت الولايات المتحدة في الصعود نحو قمة الهرم في النظام الغربي منذ الاستعدادات التي هيأت لنشوب الحرب العالمية الأولى. وبعد الحرب العالمية الثانية، اتخذ النظام الدولي شكله الحديث بزعامتها لأكثر من 40 عاماً، على الرغم من أن العالم انقسم إلى معسكرين متنافسين؛ الكتلة الشيوعية يقودها الاتحاد السوفييتي سابقاً، والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي دعمت الأسواق الحرة والحكم الديمقراطي.
 ثم انهار هذا النظام ثنائي القطب مع تفكك الاتحاد السوفييتي. وظهرت جهات فاعلة جديدة للتنافس على النفوذ؛ حيث واجه الغرب تحديات مختلفة من ظهور دول قوية تهدد مصالح الغرب وخاصة قيادة الولايات المتحدة للعالم. فقد اندمجت الدول الأوروبية لإنشاء سوق واحدة وتحالف سياسي شامل في إطار منظومة الاتحاد الأوروبي بزعامة ألمانيا أقوى أعضائه، كما صعدت قوى إقليمية أخرى مثل: الهند وروسيا والصين.
 لكن هذه القوى واجهت تحديات كبرى مثل: كم الديون الهائل، وشيخوخة السكان، والاعتماد على الهجرة لتلبية الاحتياجات الاقتصادية. وأصيبت بالإحباط بسبب حدود سلطاتها، وظهرت من جديد أسئلة حول الأنظمة الرأسمالية كنموذج سائد للحكم.
 في ظل تلك الظروف ربما اعتقد البعض أن القوة والنفوذ لم تعودا في مصلحة الغرب، لكن مكانة الولايات المتحدة إلى جانب حلفائها في قيادة العالم لم تتأثر كثيراً؛ لعدم وجود البديل الفاعل.
ولا تزال الولايات المتحدة وأوروبا تشكلان العمود الفقري في هيكلية وإدارة المنظمات الدولية مثل مجموعة الدول السبع والبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي، ما يمنحها تأثيراً كبيراً على الاقتصاد العالمي. كما أن هذه المجموعة هي الأقوى عسكرياً؛ حيث تمثل مجتمعة نسبة 70% من الإنفاق العالمي على التسلح.
 صحيح أن الصين تبرز الآن كقوة صاعدة وتملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو مرشح لأن يكون الأكبر على الرغم من أن نظامها السياسي غير ديمقراطي، وقد انتشلت الملايين من سكانها من الفقر، وتسعى إلى توسيع نفوذها؛ لكن القوة الاقتصادية والسياسية المشتركة للغرب تفوق الصين بكثير.
 وفيما يتعلق بصورة الغرب مستقبلاً لا يزال يملك أفضل الجامعات وشعوب دوله هي الأفضل تعليماً؛ حيث تقود نخب أكاديمية الطريق في البحث والابتكار والتكنولوجيا. كما أن الغرب يملك مخزونات ضخمة من الموارد الطبيعية.
 والأهم من ذلك كله أن حكومات دول الغرب أثبتت أنها تقود أنظمة مستقرة، وقادرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية والسياسية بشكل أفضل. وفي مؤشر بارز على الثروة والاستقرار، لا تزال العملات الغربية، وخاصة الدولار الأمريكي، تحظى بمكانة فائقة في التقييمات الاقتصادية والمالية في جميع أنحاء العالم.
* رئيس سابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي