الترجمة حياة... بقلم: سامر يحيى

الترجمة حياة... بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٧ يناير ٢٠٢١

من تعلّم لغة قومٍ أمن شرّهم، واستفاد من تجاربهم وخبراتهم وعلومهم، وعكسها على واقعه المحيط به، ونقل صورة إيجابية عن نتاجات أبنائه ومبدعيه للآخرين، ونشر أفكاره ومعارفه وخبراته واستقطب الآخرين لصالح قضيته وفق قدرته على إيصال صوته وإقناع الآخر.
إنّ هذا يؤكد لنا أنّ الترجمة والتعريب عملاً جوهرياً ومهماً إذا أحسنا استخدامه، واستطعنا ترجمة ما نفكّر به لغوياً وعملياً على أرض الواقع بما يناسب احتياجاتنا ومتطلّبات أبناء شعبنا والنهوض بوطننا، إذا توفّرت لديه الإرادة الجادة بزيادة الثقافة الفكرية والمعرفية والعلمية لأبناء وطننا، وتعزيز معارفهم وعلومهم، وفتح آفاقٍ جديدة للإبداع والعصف الذهني، وكلّما استطعنا قراءة ما بين السطور جيداً، وأسقطنا ما نقرأه على أرض الواقع كلّما حققنا النجاح الأكبر، واستطعنا حصد النتائج المبهرة البناءة على كافّة المستويات، لأنّنا وقتها نكون قد استطعنا التسلّح بالعلم والمعرفة، استفدنا من تجارب الآخرين وأفكارهم، واسقطناه على واقعنا المعاش وإمكانياتنا المتاحة، ومواردنا المادية والبشرية المتوفّرة، واطلعنا الآخرين على وجهة نظرنا ومواقفنا بإقناع وحكمةٍ ومنطق، وبالتالي تكون اللغة الأجنبية هدفاً أساسياً في البناء والتعليم وليس مجرّد لغةٍ بهدف المظاهر، وأنّني أتكلم لغةً أخرى، وأستطيع اجتياز الاختبارات اللغوية، دون الاستفادة من اللغة، بل على العكس نلاحظ أنّ غالبية خريجي اللغات ومجيديها، يقومون بأداء ودور تخصصّات أخرى، متجاهلين تخصصهم الأساس، بل مع الوقت ينسون تخصّصهم، ونطلب اللغة بتخصّصات لا تحتاجها، وبالتالي تصبح اللغة إمّا عقدّة أو وسيلة وصولٍ لهدفٍ غير منتج، فيا ترى هل تخلو مؤسسة حكومية من قسمٍ للدراسات والترجمة أو ما شابه.
 صحيح أنّ وجود مهنة "المترجم" تعني أن ليس بالضرورة أن يكون جميع المبدعين والمنتجين وحتى كبار حاملي الشهادات العلمية بحاجةٍ ماسّة أو شرطٌ جوهريٌ لاجتياز اللغة الأجنبية، وما أكثر كبار الأدباء والنقّاد والإداريين والباحثين والمبدعين بكلّ المجالات، ولا يتقنون سوى لغتهم الأمّ والعلوم والمعارف التي يحتاجونها في أداء أعمالهم بالشكل الأسمى والأمثل، ولكن من الضروري والوطني أنّ نستثمر بشكلٍ أمثل كل من يملك لغة ثانية الاستفادة في مجاله وخبراته لنقل المعارف والعلوم من وإلى الآخر.
إنّ أولى المهام التي يجب أن نضعها نصب أعيينا أنّ لدينا جاليات سورية في كل دول العالم، وغالبيتها باتت تتقن لغة البلد المقيمين بها، بل بعض أبنائها نسو أو تجاهلوا اللغة العربية الأم، فهل بذلنا جهداً ولو بسيطاً من أجل إعادة استقطاب هؤلاء ليكونوا القوّة الناعمة، والداعم الأساسي والمتفهّم لكل الظروف التي تمرّ بها بلدنا من حصارٍ وإرهابٍ وتزييفٍ وتهويلٍ وتضليلٍ إعلامي إلى ما هنالك، إضافة لتقديم كل الخبرات والمعارف لتقويم الأداء الوطني وتعظيم الفائدة ومضاعفة عملية الإنتاج بكل المجالات.
إن ترجمة أعمالنا على أرض الواقع، لا تتعلّق باللغة بحدّ ذاتها، ولكن بكلّ جهدٍ نقوم به، وبكلّ دورٍ موكل إلينا، بدءاً من القدرة على الابتكار والتطوير والإبداع، وليس انتهاءٍ من تنظيم العمل والابتعاد عن الروتينية والرقمية الورقية إلى التحوّل الرقمي الحقيقي بالاستفادة من التكنولوجيا لصالح العمل وتطويره وتحقيق الوفر وضغط النفقات وضبط الموارد والاستثمار الأمثل لها، وبالتالي فيجب أن يترجم المدير أفعاله بأن يكون أول الواصلين إلى عمله وآخر الخارجين من عمله، ليكون على إلمامٍ تامٍ بدور وأداء وعمل العاملين جميعهم، لا أن يكتفي بشعار أنّه مديرٌ ويتسلّط على الآخر ويعتمد على "ناقلي الكلام ومنتهزي الفرص" تحت مبررات لا منطقية، متجاهلاً أن المدير يجب أن يترجم دوره إلى عملٍ على أرض الواقع، وترجمة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لصالح العمل وتطويره ومضاعفة أدائه، والاستفادة من علاقاته الاجتماعية وترجمتها لتنعكس لصالح العمل المؤسساتي سواءً بتصحيح الخطى أو بتقويم الاعوجاج، أو بمضاعفة الأداء والإيجابيات، كلٌ بمجاله وضمن المهام الموكلة إليه.
هل وجدنا مؤسسةٌ من مؤسساتنا، تترجم الموازنة إلى أرض الواقع بشكلٍ منطقي وحقيقي وجاد بعيداً عن الإطار الروتيني المفروض على كلّ مؤسسة تجاوبه بلغة الأرقام بعيداً عن الوقائع والحقائق، وهل وجدنا مديراً لمؤسسةٍ أو قسمٍ بدءاً من قاعدة الهرم المؤسساتي وصولاً للقمة بإعداد تقريرٍ شهري أو نصف سنوي حسب احتياجات ودور ومهام المؤسسة، عما قام وسيقوم وما هي الاقتراحات والتوصيات والأفكار والحلول التي تساهم في تفعيل دور مؤسسته وتنشيط أدائها وترجمة لغة الأرقام إلى أرض الواقع.
الترجمة لا تقتصر على لغةٍ أجنبية، ولا تحويل نصٍ من لغةٍ لأخرى، إنّما هي الاستفادة من كلّ ما حولنا وترجمته إلى واقعٍ فعليٍ بتجنّب السلبيات وتجاوز المعوّقات وإزالة التحدّيات وتطوير الأهداف والرغبات والاحتياجات، منطلقين من الواقع ضمن الموارد المادية والبشرية وما هو متاحٌ من الإمكانيات، لنستحق لقب مواطنٌ عربيٌ سوريٌ يحبّ وطنه بالفعل لا مجرّد شعارات.