إحاطة تلحظ وترقب تطورات قريبة.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

إحاطة تلحظ وترقب تطورات قريبة.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٠

وفق موقع أخبار الأمم المتحدة، فإن المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية غير بيدرسون كان قد قدم إحاطة مطولة إلى مجلس الأمن الأربعاء 16 من شهر كانون الأول الجاري، أي بعد ما يقرب من أسبوعين من انتهاء الجولة الرابعة من مفاوضات «اللجنة الدستورية»، ووفق الموقع نفسه فإن الإحاطة السابقة الذكر كانت قد تضمنت خمسة بنود رئيسية، وفي ختامها كان هناك تقييم للعام 2020، تلاه عرض للآفاق التي ينبئ بها العام 2021 وفقا لهذا التقييم الأخير.
رصد بيدرسون في البند الأول حالة من الاختلاف وصفها بـ«الصارخة» بين وفدي التفاوض، فقال: «كان هناك العديد من الاختلافات الصارخة بين المواقف والسرديات التي عرضت أمام اللجنة»، ثم أضاف في شروحاته لتلك الحالة قائلاً: «قدم الوفد الحكومي ثمانية مبادئ تتعلق بالإرهاب، إدانة الإيديولوجيات الإرهابية ودعم الإرهابيين، إدانة الإجراءات القسرية الأحادية، إدانة احتلال الأراضي السورية، رفض المشاريع الانفصالية، دعم الجيش السوري، تعزيز الهوية الوطنية، ضمان عودة اللاجئين ومعالجة القضايا الإنسانية»، على حين قدم وفد «هيئة التفاوض العليا» المعارض، وفقاً لبيدرسون أيضاً، ثلاثة وعشرين بنداً من بينها سيادة سورية وسلامة أراضيها، الالتزام بالقانون الدولي، الهوية الوطنية والتنوع الثقافي، التعددية السياسية، الديمقراطية، سيادة القانون وفصل السلطات، الفساد، الإرهاب، المواطنة، عودة اللاجئين، الحقوق والحريات، المبادئ الاجتماعية والاقتصادية.
من الواضح، وفقاً للبنود التي احتواها كل من العرضين السابقين، أن هناك الكثير من التقاطعات حتى ليبدو أن هناك توافقاً على أغلبية البنود المطروحة، أو بمعنى آخر أن الخلاف القائم هو من النوع الذي لا يصعب جسر الهوة الفاصلة بين طرفيه، إلا أن المشهد في عمقه لا توضحه المصطلحات المستخدمة التي تظهر تقارباً، فالمؤكد أن هناك خلافاً قائماً على تعريف العديد من المصطلحات من نوع: الديمقراطية، التعددية والحريات السياسية، فصل السلطات، الهوية الوطنية، وهذا أمر يبدو صعباً تبعاً لإملاءات الخارج التي تنخر عصبي «وفد الائتلاف» وجزء من كتلة «المجتمع المدني»، ولا حل له إلا بمؤتمر وطني جامع يخرج بتعريفات محددة لتلك المصطلحات، وتكون ملزمة لكل أبناء الوطن بكل تياراته وأحزابه وقواه الفاعلة.
في محور آخر أكد بيدرسون أهمية دور المرأة في العملية السياسية، وأنه سيستمر في إشراك النساء السوريات والتشاور معهن، جنباً إلى جنب إشراك المجتمع المدني في مساعيه التي يحتمها عليه منصبه، وربط التشاور مع النساء السوريات بمنظمات المجتمع المدني يفهم على أنه تدعيم لهذا الأخير الذي يمثل في هذه المرحلة جل الثقل الذي يحظى به التيار الليبرالي المتنامي منذ غزو العراق، والذي اشتد عوده مع بدايات الأزمة السورية وصولاً إلى اليوم، إذ لا وجود لتيار سياسي صاف في سورية من النساء، والأخيرات منخرطات في العمل السياسي داخل الأحزاب التي ينتمين إليها.
في محور ثالث يقول بيدرسون إن الصراع والإرهاب لا يزالان حقيقتين قائمتين، وفي الأولى أشار إلى أن احتمالات تجدد الصراع في الشمال الغربي، وكذا في الشمال الشرقي من البلاد، لا تزال قائمة، وذاك أمر صحيح ما دامت حالة الاستعصاء القائمة ستظل هكذا، أما في الثانية فهو أثنى على الدور الذي تقوم به كل من روسيا والولايات المتحدة وتركيا في التصدي للجماعات الإرهابية المدرجة على لوائح الأمم المتحدة مثل داعش و«هيئة تحرير الشام»، والثناء قد يفهم على أنه لغة دبلوماسية أراد من خلالها تجنب الصدام مع الأخيرتين بما يعيق مهمته بشكل كبير، لكن ذلك لا يلغي أن تركيا تمثل الداعم الأكبر لـ«هيئة تحرير الشام»، أما العمليات التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد داعش فهي انتقائية، وهي في جلها تمثل حالة احتياج للداخل الأميركي لتعزيز مكاسب لهذا الطرف في مواجهة ذاك، ولا توحي بأي حال من الأحوال بنيات حقيقية لاجتثاث تنظيم داعش.
في المحور الرابع أشار المبعوث الأممي إلى انعدام الأمن الغذائي وارتفاع نسب التقزم، والإشارة الأخيرة كانت لافتة عندما أكد نقلاً عن منسق الإغاثة ووكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، أن نسبة التقزم بين الأطفال في الشمال الغربي من سورية قد زادت بنسبة 5 بالمئة هذا العام، وأن 34 بالمئة من الأطفال ممن هم دون سن الخامسة يعانون التقزم في المنطقة السابقة الذكر، وهذا كان يحتم على بيدرسون طرح الأسباب التي قادت إلى تلك الحالة، والتي هي بلا شك غياب الدولة، وهو لم يفعل، شأن ما فعله في الحالة الأولى، أي انعدام الأمن الغذائي، الذي لم يحدد أسبابه أيضاً، التي تكمن بالتأكيد في الحصار الاقتصادي الذي تعانيه البلاد، والذي بات الأشد من نوعه بعد أربع طبعات صدرت حتى الآن من «قانون قيصر» مع تحفز لصدور خامسة من المرجح لها أن تؤدي إلى مراكمة إجراءات تفوق في صرامتها ونتائجها تلك التي أدى إليها الحصار على العراق بين عامي 1991-2003.
في المحور الخامس أكد بيدرسون ضرورة الوصول الآمن للمحتاجين مشيراً إلى أن محطة علوك لضخ المياه شمال الحسكة لا تزال متوقفة عن العمل منذ الثالث من الشهر الجاري، وكذا مدينة الباب بريف حلب، ما أدى إلى نقص في المياه يعانيه 185 ألف سوري، ومن الواضح أن المنطقتين اللتين تقعان فيهما محطتا الضخ السابقتان الذكر هما الآن تحت السيطرة التركية أو تحت سيطرة فصائل موالية لأنقرة، لربما تبدو الإشارة هذه المرة، وإن جاءت بالإيحاء، لدور سلبي تمارسه أنقرة في مناطق سيطرتها، أقرب ما تكون قراءة مستقبلية لتضعضع محتمل للدور التركي في سورية انطلاقاً من متغيرات قادمة، فالإشارة من الصعب أن يخطئها من تشير إليهم.
في جردة التقييم التي قدمها بيدرسون للعام 2020 يقول إنه مع انحسار الصراع النشط برز عاملا التدهور الاقتصادي والأثر المركب لفيروس كوفيد 19 كتحديين كبيرين، وقال: إن مجريات العام السابق الذكر توحي بإمكان البناء على عنصرين اثنين، أولهما الهدوء النسبي الذي يؤكده ثبات خطوط التماس منذ آذار الماضي، وثانيهما ولادة «اللجنة الدستورية»، وعليه فقد خلص بعد هذا التشخيص إلى القول إن «هناك حاجة إلى عملية أعمق وأوسع «تتضمن» وقف إطلاق النار على امتداد البلاد، صياغة دستورية جوهرية، جهود أوسع لمعالجة النطاق الكامل للقضايا العالقة، مع إجراءات لبناء الثقة والحركة خطوة بخطوة، ولربما كان كل هذا التشخيص الأخير مقبولاً بالعموم، من دون أن يعني أنه كافٍ، لولا الجملة الأخيرة التي أشارت إلى «الحركة خطوة بخطوة» المستمدة عنده بالتأكيد من النهج الذي اعتمدته إدارة دونالد ترامب خلال سنيها الأربع التي أوشكت أن تنتهي، وهو ما يؤكده حديث جيمس جيفري المبعوث السابق للولايات المتحدة الذي أدلى به لصحيفة الشرق الأوسط مؤخراً، وفيه وردت تلك العبارة التي ذكرها بيدرسون بالحرف، وهي تعني الدفع باتجاه الحلحلة جزئياً وبما يتناسب مع التنازلات الواجب على الدولة السورية تقديمها تباعاً في ملفات داخلية وأخرى خارجية.
في جردة حسابنا نحن، بدا بيدرسون في وضعية الترقب والانتظار لخروج الدخان الأبيض من البيت الأبيض، وهو اختار موعد 25 كانون الثاني المقبل لانعقاد الجولة الخامسة من مفاوضات «اللجنة الدستورية» أي بعد خمسة أيام من تنصبب جو بايدن رئيساً يحمل الرقم السادس والأربعين للولايات المتحدة، حيث تقول القراءات الأولية إن إدارة هذا الأخير سوف تسعى إلى استثمار أكثر في العملية السياسية برعاية دولية أوسع، يقتضي بالضرورة توسيع قنوات التواصل مع موسكو التي ترقب هي الأخرى انكشاف الضباب في واشنطن.