روح القانون...بقلم: سامر يحيى

روح القانون...بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٠

سأل أحد الطلاب معلّمه، كيف يستطيع بالرغم من صعوبة المادة، وعدم فهم الطلبة لها أثناء قراءة الكتاب، أن يحبّب الطلبة بها وإيصال الفكرة إليهم بكل يسرٍ وسهولة... فكانت إجابة المعلم: إنّ النحل يعمل على إنتاج العسل من خلال تجميع رحيق الأزهار، بينما إن حاولنا نحن أكل الأزهار بشكلٍ مباشر، بالتأكيد لن نستسيغ ذلك إطلاقاً.  
إنّ هذا ينطبق على أيّة مهنة أو مهمّة يتولّاها الإنسان في حياته، فكيف بالعمل الإداري، والذي يجب أن تكون المؤسسة ـ لا سيّما في الظروف التي تمرّ بها سوريتنا ـ خليّة نحلٍ في الإنجاز واستثمارٍ أشملٍ، وإنتاجٍ مضاعف. فهل يعجز القائد أو المدير أو المسؤول عن التعامل بتعاضد وتفاهم مع العاملين لديه، لإيصال الفكرة والهدف والمهام المنوطة بالمؤسسة بأسرع وقتٍ وأكثر دقّة وإتقان، وإنتاجية أكبر...بعيداً عن التذرّع بالحجج والمبررات الواهية ومجرّد تسيير الأمور تحت ذريعة تطبيق القانون والتراتبية والتوجيهات من الأعلى وما شابه... أو التحجج بأن لا أحد يريد أن يعمل...، أنفّذ الأوامر كما يريدون... و إن كنت أعرف أنّ هذا الموضوع هو الصواب لكوني اتعامل معه بشكلٍ مباشر...، أو أن الذي يعمل يخطئ، بينما الذي لا يعمل سوى الحدّ الأدنى لا يخطئ بل يكافأ، لأنّه الأقدر على النفاق والانتهازية وتبييض صورته لأنّ جل وقته في التفكير الانتهازي المصلحي، بينما من يعمل بجدٍ ينحصر تفكيره في تطوير أدائه وإنجاز المهام الموكلة إليه بدقّة وإتقان وسرعةٍ... وهل أحدٌ منا لا يؤمن أنّ ما تحتاجه مؤسساتنا هو الاستثمارٍ الأمثل المتوازن انطلاقاً من القوانين والأنظمة التي تحكم سير العمل، بعيداً عن الفوضى والإهمال، أو التشدد السلبي الذي يؤدي لوضع العقبات وتضخيم المعوّقات.  
عندما نتابع مناقشات الموازنة أمام مجلس الشعب، نستمع إلى الكثير من المؤسسات التي تدّعي أنّها لم تتمكّن من تنفيذ خطّتها الاستثمارية بالشكل الأمثل والكامل، بحجّة الظروف والوقت والحصار وغيرها... ومؤخّراً تم إضافة وباء كورونا، علماً أنّنا لو بحثنا في بنود وأبواب القرطاسية والنفقات النثرية والصيانة وما شابه... نجدها قد استكملت بل تم إجراء عملية مناقلة من أبواب المفترض أن يكون قد تم استثمارها بشكلٍ أمثل لصالح المؤسسة وصيانتها الجدية المستديمة التي لم نر أن الظروف قد أثرت عليها، ولا جائحة كورونا ساهمت في تخفيضها، ولم يجعلنا الحصار على بلدنا التفكير بإيجاد ـ ليس ضغط نفقات ومنع هدرٍ ـ إنما استثمارها بالشكل الصحيح بجودةٍ وإتقان بما يؤدي لإنتاجية وعائدٍ أكبر ...
لماذا تتجاهل المؤسسات الحكومية ككل ـ لا سيّما القائمين بالعملية الرقابية والمتابعة، والتي هي موجودة بكل مؤسسة حكومية ـ انعدام المتابعة الجدية الآنية لتنفيذ الشقّ الاستثماري، ألم توضع هذه الموازنة الاستثمارية منذ منتصف العام الذي مضى عام التنفيذ!؟ ألم تكن هناك خطّة حقيقية وبناءً عليها تم رصد المبلغ المفترض أن يوضع في الموازنة من أجل استكمال عملية التنفيذ فور تخصيص الموارد لها وصدور الموازنة العامّة للدولة؟!... ألا يعني ذلك أنّ كل المبررات التي يتم تسويقها مهما كانت مقنعة نظرياً، هي مجرّد تقصيرٍ وسوء أداء وخللٍ في العمل الوظيفي والانتاجي بآنٍ معاً... ويجب أن تحصل المساءلة الجديّة المسؤولة.
إنّنا نحن في ظروفٍ صعبة، وفي ظلّ حصار يتطلّب منا استثمار كل ثانية من الوقت، وليرةٍ من الموازنة، وخطةٍ نضعها سواءً في تنمية الموارد الماديّة والبشرية والإنتاجية، فلكل ثانيةٍ تمر دون إنجازٍ على أرض الواقع، تؤخرنا سنة مهما بررنا تقصيرنا؛ وكل عملٍ وطني واستثمارٍ سليم لعمل المؤسسات، والإمكانيات المتاحة، والموارد المادية والبشرية والثروات الباطنية والأموال المرصودة والمكدّسة في المصارف والبنوك تحت حجّة عدم المخاطرة، ألا يساهم بشكلٍ فاعل في استثمار عملية إعادة الإعمار بالشكل الأمثل والأشمل، ويقطع الطريق على الانتهازيين وقطاع الطرق والمحتكرين والسوق السوداء التي  من المفترض أن نطلق عليها السوق الموازية أو الأساسية حسب ما نراه في الوقت الراهن، بعيداً عن كل الحجج وإلقاء اللوم والاتهامات على تلك السوق مقابل تقاعسنا عن أداء المهام التي تلقائياً ستؤدي لإلغاء تلك السوق والقضاء عليها، وحتى سد الفجوة التي يستغلها الإعلام التضليلي والتجييش الإعلامي ضد سوريتنا وما تقوم به مؤسساتها من عملٍ.. ..
إنّ أي مبررٍ لما يحصل ما هو إلا تقصيرٍ واضح وصريحٍ، وأيّ خطّة زمنية تتجاوز الأشهر ما هي إلى زيادة ضياعٍ في الوقت والجهد والمال وتخلّف في العمل المؤسساتي وخسارة وطنية فادحة، ولماذا لا نؤمن بأنّه من المفترض أن تكون المؤسسة الحكومية هي الأقدر والأفضل على الإنتاج من القطّاع الخاص لأنّ عائديتها للوطن ككل وليس لشخصٍ بحدّ ذاته، فالدافع المفترض هنا أن يكون أكبر لا سيما بعد الحرب الإرهابية بكافّة أنواعها، بما فيها الإرهاب الاقتصادي.
تحميل المسؤولية ليس حلاً... بل الحل هو بإعادة قراءة القرارات والقوانين والتعليمات والمراسيم والهيكليات ... قراءةً منطقية وطنية، والأخذ بعين الاعتبار تضحيات جنودنا في كلّ ساحٍ من ساحاتٍ الدفاع عن الوطن وقدسية ترابه، وتوجيهات وخطب قائد الوطن، لأنّها الكفيلة لاختصار الطريق والوقت والجهد والمال، لنخرج معافين منتصرين ونعمل على إعادة الإرهاب، متحدّين الإرهاب والحصار ومحاولات العرقلة...