من ذاكرتي عندما كنت مدّرسة ... بقلم: ميس الكريدي

من ذاكرتي عندما كنت مدّرسة ... بقلم: ميس الكريدي

تحليل وآراء

السبت، ٢١ نوفمبر ٢٠٢٠

من زمن
ليس بالطويل
عام ٢٠٠٤
بدأت عملي لصالح وزارة التربية كمدّرسة علوم قبل التحاقي بالعمل الصحفي والإنساني
واصطدامي بالواقع لا يخص في حديثي هذا واقع التعليم أساتذة وطلاب وإمكانيات وإنما
الفساد البسيط المنسي وحالة الانبطاحية المقابلة له ..
مفهوم تمسيح الجوخ يتجلى في أصغر دائرة تربوية فصاعداً
في الأتراح والأفراح لكنه لم يكن تمسيح جوخ معولم كما هذه الأيام يستخدم فضاءات فيسبوك وتويتر وأنستغرام ..
هذه مفاهيم مبتكرة حول استثمار التكنولوجيا سواء بإهانة بعضنا أو أوطاننا أو التزحلق على أرصفة التملق وعتبات الانبطاح ..
نعود لمهنة التدريس
حسب أهلي ووجهة نظر سائدة ومنطقية لدى شريحة جيدة في هذا الشعب أن تلك المهنة هي أفضل المهن للإناث التي لا تحتاج ثورة منزلية كالتي اصطدمت بها لاحقاً حين عملت في العمل العام..
أما بعد وحتى لا أطيل عليكم
فالمدير أو المديرة في المدرسة يعتبر أضعف حلقة إدارية من ناحية النفوذ ومع ذلك ومن ذاكرتي أكتب
كانت هناك أنواع فساد  تمر ببساطة من قبيل استخدام المستخدمين لأغراض خاصة بالمدير و هي غالباً طوعية يقوم بها المستخدم متطوعاً وأكثر
لكنها بالمقابل حتماً تلجم لسان المدير الممتن عن تقصير المستخدم في مهامه التي استخدمته المدرسة لأجلها
ويتحول إلى بائع علكة وسندويش رديء و تحت مسمى التعاطف الاجتماعي وهو موجود في قلوب الجميع  تباعاً يصير الحق منّة وتتراجع مطالبات المدرسين بتزويد ((الصوبيات)) الصفية بالوقود  وحيث أن عمل المدرس ساعي بمعنى أنه ينتقل من صف إلى صف. يختار معظم المدرسين تجاهل الطلب حتى لا تضيع الحصة بالأخذ والرد و محاولات التشعيل الفاشلة المتكررة نتيجة عدم صيانة المدافئ (( الصوبيات))
وبالمقابل على ذمة المدراء تنتهي المخصصات قبل أن تبدأ
وهكذا ..
وأما حمى المناسبات الرسمية وغير الرسمية العامة والخاصة فكان الأسوأ فيها هو التهافت التملقي للمباركة للمدير أو المديرة بعيد المعلم وغير المعلم
فهو المعلم الأول في مدرسته بحكم المنصب وكم كان يزعجني هذا الردح الاجتماعي القميء والذي كان غريباً عن عالمي المزدحم بمفاهيم الكرامة والكبرياء والتي تناسب التعاضد المجتمعي وتتنافى مع المبالغة النفاقية  والأسوأ إنه يصدر عن معلمين قدوة لطلابهم في الأنفة وعزة النفس وطبعاً ليس هذا تعميماً فهناك من هم مثلي يوسمون بأنهم مشاغبون أو ملتزمون صامتون ..
وهذا كله بمقابل إجازة ساعية أو تغطية على يوم غياب
فالمدارس ليس فيها حوافز يقررها المدير وبعض المدارس كان للمدراء سطوة منح بعض المدرسين فرصة التعاقد مع   دورات تقوية تقيمها بعض المدارس  خارج الدوام الرسمي
وبالمقابل تأتي للمدير توجيهات للتمنع عن منح الإحالات للصحة المدرسية لأن الكل يعتقد أن الغالبية متمارضين وأن بناة الأجيال يكذبون للتهرب من واجباتهم المقدسة  وبدل مكافحة فساد التقارير الطبية
نمنع المريض من الحصول على إحالة ونتهمه في أخلاقه بآلية التعاطي مع الوضع وقد تضطرك الأمور لمعركة بين زوج المدّرسة أو ذوي المدرس والمدير وغالباً عليه أي المدرس أن يجر نفسه بأي طريقة ليحصل على تلك الإحالة ..
أما المعلمات فالحمل والتعب الناتج عنه لا يعتبر حالات طبية
وتتحول منحة الدولة على طريق تمكين النساء إلى منّة ينقلها المدراء على لسان من يعلونهم
وكأنه يمنح الأمومة بقرار شخصي منه وتستثار غيرته من تلك الإجازة التي خصصتها الدولة ذات يوم لدعم المرأة العاملة
وبهذه السلطات البسيطة الممنوحة للمدير يتذلل عدد من المدرسين لقاء استجرار حقوقهم
ناهيك عن إذا كانت المديرة مدعومة أو المدير محل ثقة القيادة التي تتلخص في حدود يعرفها الكل لا حاجة لشرحها
حيث تعرضت يوماً لمحاولة ابتزاز لأني رفضت أن أشغل حصة ليست حصتي وطلبت من المدير إرسال أمينة السر التي كانت تداوم في مكتبه بصفة صديقة لزوجته ..
فاتهمني بالغياب عن تحية العلم
ولولا ثقتي بحبي لبلادي لكان قادراً على ذلك الابتزاز رغم أن زملائي في غالبيتهم اختاروا النأي بأنفسهم عني وهكذا حتى انتقلت من المدرسة ..
و في وقت لاحق أشرح لكم حكاية الأعمال الإدارية وكم التلاعب المرتبط بالتحويل إلى تلك الأعمال
والأحاديث العلنية حول هذا الأمر حيث الراتب نفسه لكن شخص يعمل وآخر يمارس البطالة المقنعة عبر مخبر لا يستعمله أحد مثلاً لأن العلاقة الشخصية بين الإدارة وبين أمين المخبر أو المكتبة أو مايشبهها تتكفل بالقصة من مسايرات إلى ولائم وهدايا وكلها تحت مسمى صداقات عائلية ..
في المدرسة الجديدة

عدت  وارتكب معصية لا تغتفر عند مدراء المدارس
حيث هددت بالامتناع عن المراقبة في الامتحان النصفي لأن ((الصوبيا )) كانت بدون مازوت وذلك لأجل الطلاب الذين تجمدت أصابعهم أثناء الامتحان
ولم أتخذ هذا الموقف إلا بعد أن وجدت ((الصوبيا )) في الإدارة تهدر ناراً
وادعت المديرة أنها تجلب مازوتها من منزلها ..
و لم أكتشف أن المديرة قد عاقبتني هي أو المدير السابق لا أعرف بالضبط
لكني اكتشفت في ذاتيتي انذار مسجل دون مساءلة ودون تبليغ  وقيل لي إن المدير الأول كان له أصدقاء يدعمونه في المديرية..
هذا النوع من الفساد الذي لا يتحدث عنه أحد بل يعتبر أقل من العادي
كان جزءاً من تجربتي
خاصة والزميلات والزملاء كن يجتمعن في جمعيات منزلية يقبضها كل شهر واحد  ويعطون المديرة الدور الذي يناسبها  وعلى صحن تبولة يتقربن من تلك المديرة حتى صار سلوكي محارباً
فالمفروض أن تصرخ وتبهدل وعلينا أن نتقبل
وعندما قلت إن القانون ليس فيه عقوبة توبيخ مدّرس ابتعد عني الغالبية وبقي بعض المتذمرين على علاقة طيبة معي شرط عدم المجاهرة
ومع أول إذن ساعي يكررون ويمجدون بمناقبة التسامح الإداري للمديرة
عموماً كنت أحصل على كل حقوقي لأني كنت أتقن الدفاع عن حقوقي لكنها تجربة نفسية كئيبة مع الزملاء الانبطاحيون
ورائعة مع طالباتي اللواتي يستذكرن طريقتي الخاصة في الذود حتى عنهنّ بمواجهة الأمراض النفسية للبعض من الجهاز التربوي خاصة أمام الضغط الانبطاحي ولكني تركت بصمتي وثقتي مع بناتي اللواتي يعلمن دقة ماأقول لكني تعبت من هذا الثقل في حلقة التربية الرئيسية ..
وهذه بعض مافي الذاكرة وأما ماتبقى منها فهو تعويضي في التأمين والمعاشات البالغ ٢٦٦ألف ليرة تقريباً منذ سنة وأنا أحاول تحصيلها  ٢٠١٩/٢٠٢٠ ولكني فشلت ويأست من الحصول عليه من كثرة ماعذبتني موظفة التأمين بالطلبات حتى عجزت و تنازلت  عن تحصيل حقي صوناً لكرامتي ..